IMLebanon

أزمة منظومة لا أزمة نظام

 

أخيراً نزل الوحي على جبران باسيل فنطق مكتشفاً ان العلّة ليست في الأشخاص ولا بالطبقة السياسية ولا بالسلاح. انها في النظام والشراكة وحقوق المسيحيين. طفح الكيل وبلغ السيل الزبى. إذن هيا بنا الى “مؤتمر حوار”!

 

ليس باسيل الوحيد الذي ضاق ذرعاً باتفاق الطائف ورأى وجوب استكمال مندرجاته، مع انه مثل عمه الرئيس لم يؤمن يوماً به. فالرئيس بري أول الداعين الى إصلاحات، لكن تلك التي تناسبه ليوسّع حصة طائفته استناداً الى حجمها وقوتها الذاتية ودورها الاقليمي. أما مدخله الشرعي فهو قانون انتخابات يحوّل لبنان دائرة واحدة، على اساس ان جمهوره “العلماني” حاضر لتعميم تجربة “الرينغ” الفريدة في التنوّع واحترام الخصوصيات والسلوك السلمي على كلّ اللبنانيين!

 

تحت عنوان “اللامركزية”، المحمودة والواردة في نص اتفاق الطائف، يحاول باسيل تسويق “مثالثة” عزيزة على قلب حليفه “حزب الله”. وخلاصة موضوعه انّ تفاهم زعماء ما يسمى “مكونات” كفيل بإرساء سلم أهلي دائم وترسيم حدود بين الطوائف والمناطق يسري على علاقاتها تفاهمات شبيهة بـ”مار مخايل” وجوهرها معاهدات “عدم اعتداء”.

 

يهرب باسيل وكلّ أهل السلطة الداعين الى اصلاح النظام من واقع ان المشكلة الحقيقية ليست بنظام الطائف ولا بآلياته مع انها تحتاج الى تطوير. انّها في حجم الانقلاب على الدستور ودولة القانون والتحالف الجهنمي الذي أتاح للمافيا وضع يدها على مقدّرات البلاد وسرقة اللبنانيين مقابل رهن البلاد ساحة في الصراع الاقليمي.

 

أبسط من فكرة انّ التقسيمات المشتهاة تضع مواطنية الفرد في آخر الاعتبارات وتحوّل المواطنين “بيئات حاضنة” و”أهالي” مستنفرين ومجموعات قلقة مضطرة الى تحالفات ضد آخرين، وأبعد من واقع أن بلدنا صغير ومتداخل ويحتاج سلطة مركزية قوية تضمن لامركزية ادارية ذكية، أسئلة بسيطة: هل ان النظام السياسي يمنع جبران باسيل ورئيس الجمهورية من الضغط على حلفائهما لوقف التهريب واقفال عشرة معابر تهدر ما تبقى من ودائع اللبنانيين؟ هل أدى نقصان اللامركزية الى انفجار مرفأ بيروت وتدمير العاصمة ووضع العصي في دواليب التحقيق؟ هل كان بمقدور كل مجموعة او مُكوّن التعامل مع فيروس كورونا لو كنا في نعيم اللامركزية والدولة المدنية التي يدعو اليها باسيل؟

 

ماذا عن الكهرباء وكل مزاريب الهدر في المجالس والوزارات؟ ماذا عن الفساد الذي ضبط في امتحانات الكلية الحربية وفي قوى الأمن الداخلي؟ هل هي بفعل هذا النظام أم انها ستختفي اذا لجأت كل طائفة الى شيء من “الأمن الذاتي”؟

 

“مؤتمر الحوار” هو الهروب الكبير من أزمة منظومة حاكمة ثبتَ فشلُها وضُبطت متلبّسة بجرم إفقار اللبنانيين والتسبب بموتهم بالنيترات أو على أبواب المستشفيات وبنقص آلات التنفس. لم يبق لديها سوى ان تتصارع على الحصص الوزارية وتفتعل أزمات دستورية وتجدد دورها عبر إلهاء الناس بتغيير قانون انتخابات بدل المبادرة الى اجرائها فوراً، او بمؤتمر لتعديل النظام السياسي يدخل البلاد في المجهول، فيما أكثرية اللبنانيين تدرك ان “لبنان الكبير” انجاز تاريخي، و”اتفاق الطائف” كلف غالياً وقادر على ضمان العيش المشترك، وهي تتطلع فقط الى اليوم الذي لا ترى فيه وجهاً من وجوه الحاكمين.