بلغ الصهر العزيز القويّ جدّاً جدّاً قمّة الفذلكة الدستورية في بدعة لم تشهد لها مثيلاً أيّ دولة في العالم، فقد سحب الثقة عن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري قبل تأليفه الحكومة.
ولا عجب في إقدامه على هذا الإنجاز القائم على الإعجاز، وتحديداً بعد قراءة عميقة ومتأنّية للوقائع والمتغيّرات الإقليمية.
فقد قدّم فروض الطاعة، وتلا فعل الممانعة الأزلي، وزايد على أصحاب الإستراتيجية والمشروع. وواجه الطيران الإسرائيلي الكثيف في سماء الوطن بخطبة عصماء سأل عبرها حاله: “كيف ممكن يكون في لبناني ما فهم من 73 سنة لليوم الأثمان يلّي دفعها لبنان بسبب إسرائيل”.
ومن ثم تبحَّر وتبصّر، فأتحفنا برؤية طوباوية إنطلاقاً من عيون التنظير السياسي. وأرهق نفسه بإصطحابنا في جولة أفق، دارت دورة كاملة حول الكرة الأرضية ليحطّ عند “المير”، رافضاً قضم حقوقه. ومعه حقّ. فهو و”المير” طموحان، ويعتبران أنّهما أحقّ بالسيطرة على الأكثرية البرلمانية من أيّ كان.
هكذا كان الوعد والعهد. وهذه هي الوشوشات التي سرّبتها، قبل زمن، الميكروفونات المفتوحة في جلسة صفا فيها الوجدان وفاض.
بالتالي، هي خطى كتبت عليه، ومن كتبت عليه خطى مشاها، فكيف إذا تعلّق الأمر بمن يعرف يقيناً أنّ مسيرته تتطلّب هذه المسيرة التدميرية التي لا بد منها، وتحديداً لأنّ الصهر المدلّل ملتزم وحريص على التقيّد بالتعليمات التي لم يعد يملك سواها في سبيل الكرسي الموعود. فهو، وبعد العقوبات والحصار المفروض عليه، ربط قدره أكثر فأكثر بالمِحور، وتحمّل المسؤولية التاريخية، وها هو يسير على العجين ولا “يخربطه”.
وها هو حاضر، وبحجّة غيرته على مصالح من لم يطفش ويهاجر من مسيحيين، لأن يطيح، ليس فقط بالدستور والقانون، وإنّما بكلّ ما تبقّى من هذه الجمهورية المهزوزة، ليصبح فرض عقد سياسي جديد يؤدّي إلى الإستيلاء على مرافق الدولة ضرورة لا مفرّ منها.
فقد قال الصهر القويّ جدّاً جدّاً وداعاً لإتفاق الوفاق الوطني في الطائف، لأنّ المِحور يعتبر أنّ الطبخة استوت، وتحديداً في زمن الفوضى الكورونية القاتلة للبشر وللإقتصاد، حيث يمكن القيام بالواجب على أكمل وجه.
ولأنّ تشكيل أيّ حكومة قد تقف عائقاً في وجه التعقيدات المؤدّية الى شلِّ البلاد ممنوع، صادر الصهر المدلّل دور عمّه، وأفهم من كان ذهنه غليظاً أنّه الآمر الناهي، وأنّه من يؤلّف الحكومات. وبلا بدعة المادة 64 القاضية بأن “يجري الرئيس المكلّف الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها…”. وبلا نصوص تقضي بأن “یصدر رئيس الجمهورية، بالإتّفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”.
فالزمن الأول تحوَّل بعدما أصبحت المعادلة واضحة وصريحة. إمّا حكومة تأتمر بأمر المِحور من بابها إلى مجرابها، أو يسحب الصهر العزيز القويّ جدّاً جدّاً الثقة من الحريري أو من غيره، ليحول دون أيّ حلم، ولو من بعيد، بالسرايا الا وِفق الشروط التي لا عودة عنها.