Site icon IMLebanon

الحزب لباسيل: خَلّيلك صاحب

 

 

دخلت العلاقة بين “حزب الله” والتيار الوطني الحر في طور “الغيبوبة السياسية” بعد الضربات المتلاحقة التي تلقّتها في الآونة الأخيرة… فما هو المصير النهائي الذي يمكن أن تؤول إليه؟

لعل ما يُبقي هذه العلاقة على قيد الحياة “الرمزية” حتى الآن هو مفعول أجهزة التنفس الاصطناعي فقط، وكأنّ طرفيها لا يزالان يتهيّبان المبادرة الطوعية الى الإعلان رسميا وجهارا عن نهايتها، ويتركان فسحة ولو صغيرة لاحتمال إنعاشها مجددا، وإلا فلتكن الخاتمة المتدرّجة التي تسمح للجانبين بالانتقال، خطوة بعد أخرى، من التفاهم الى الانعتاق.
والمفارقة، انّ كلّاً من التيار والحزب يشعر بأنّ الآخر لم يعد يريد لهذا التحالف ان يستمر، وانه يفتش عن الذريعة تلو الأخرى لتبرير الخروج منه وعنه وتحميل المسؤولية الجزائية الى الفريق الثاني.

وبهذا المعنى، يعتبر التيار ان الحزب هو مَن باشَر بإجراءات الانفصال عبر تجاوزه للشراكة والميثاقية بمشاركته في جلستين لحكومة تصريف الأعمال المستقيلة وسط غياب رئيس الجمهورية، ثم بإصراره على دعم ترشيح سليمان فرنجية الى الرئاسة من دون مراعاة موقف التيار الممثّل لجزء واسع من المسيحيين والرافض لهذا الخيار، وفق المقاربة البرتقالية لسلوك الحزب.

 

اما “حزب الله” فقراءته مغايرة تماماً لأسباب ضمور التفاهم، وهو مقتنع بأنه فعل أقصى الممكن لإطالة مدة صلاحيته، وصولاً الى حرصه في الانتخابات النيابية الاخيرة على أن تبقى للتيار كتلة وازنة سمحت له بأن يظل لاعبا اساسيا في كل الملفات الداخلية ومن بينها الملف الرئاسي.

 

لا يُقلل الحزب من شأن المواقف الاستراتيجية التي اتخذها التيار الى جانب المقاومة، وتسببت في وضع رئيسه على لائحة العقوبات الأميركية، لكنه يرفض اتهامه بعدم احترام بند بناء الدولة في وثيقة التفاهم، ويرى انّ تَمايزه في مقاربة بعض الأمور الداخلية هو حق مشروع لأنّ التحالف لا يستوجب ذوبان الجانبين في وعاء واحد ولا يفرض ان يتحرك أحدهما على إيقاع الآخر، بل انّ لكل منهما خصوصيته التي يجب احترامها.

 

وأكثر ما أزعج الحزب اخيرا انّ باسيل قرر ان يخوض في الخلافات علناً بدل مناقشتها في الغرف المغلقة، ثم ذهب إلى التساجل المباشر مع الامين العام السيد حسن نصرالله خلافاً للمألوف.
وخلال خطابه في ذكرى القادة الشهداء أعطى السيد نصرالله إشارة مختصرة ولكن مكثّفة الى واقع العلاقة مع التيار الحر في هذه المرحلة، قائلاً انّ التفاهم يمر في وضع حرج، آملاً في استمراره لمصلحة لبنان.

 

 

لاحقاً، وفي كلمته أمام الجمعية العمومية لقطاع الشباب في التيار اختار النائب جبران باسيل ان يردّ على كلام السيّد (الذي حمّل الأميركيين الجانب الأكبر من المسؤولية عن الفوضى والانهيار في لبنان) بالقول: يَلّي بَدّو دولة وإصلاح بالقوة يَلّي عندو، بَدل ما يستعملها على الغرب يستعملها شوَي على واحد متل رياض سلامة.

 

عند هذا الحد، بدا انّ تفاهم مار مخايل يمر في أسوأ أيامه وأصعبها، فيما يستغرب “حزب الله”، وفق اوساط قريبة منه، ان يدعوه باسيل الى استخدام القوة ضد سلامة، “في حين انّ التيار كان من الذين شاركوا عن سابق تصوّر وتصميم في التمديد له بناء على اتفاق معين، ولولا هذا التمديد ما كان ليستمر في موقعه لغاية اليوم، وأي قرار باستبداله يحتاج إلى توافق سياسي ربطاً بتوازنات التركيبة الداخلية ولا يتوقف الأمر على رأي الحزب لوحده”.

 

ويلفت القريبون من الحزب إلى انّ باسيل حر في خياراته السياسية “ومن حقه ان يغادر التفاهم اذا شعر بأنه أصبح قاصراً عن تلبية تطلعاته، ولكن بمقدوره ان يحوّلها مُغادرة سَلِسة، بحيث يمكن أن نبقى أصدقاء ولو من موقع الاختلاف، وحتى ربما نتحالف موضعياً على القطعة اذا وُجدت تقاطعات حول هذه المسألة او تلك”.

 

ويُبدي هؤلاء اقتناعهم بأنّ السبب الأساسي لشكوى التيار لا يعود إلى المشاركة في الجلسات الحكومية ولا الى تشريع الضرورة “بل يرتبط بإصرار الحزب على دعم ترشيح فرنجية”، لافتين الى انه كان بالإمكان تنظيم الخلاف حول الاستحقاق الرئاسي وتدوير زواياه من دون تهديد أصل التفاهم، “تماماً كما حصل حين اختلف الحزب مع الرئيس نبيه بري حول ترشيح العماد ميشال عون إنما من غير أن ينعكس ذلك على جوهر التحالف بين الطرفين”.

 

وأبعد من الحيثيات السياسية للخلاف الراهن، تشير الاوساط القريبة من الحزب إلى انّ باسيل، “ومع احترام حقه الكامل في الاعتراض على خيار فرنجية، كان يجب أن لا يصوّب في خطابه الاخير على كلام السيّد نصرالله شخصياً، وذلك للمرة الثانية بعد التصويب السابق على صدقيته”.

 

وتوضح الاوساط انّ “السيد” كان من اشد المدافعين عن باسيل في نقاشات الغرف المغلقة داخل الحزب، “كثيراً ما وقف الى جانبه في مواجهة التحديات المفصلية، ولم يحصل قبلاً ان تعرّض له احد من القياديين بأي إساءة، بل لطالما ساد حرص على البحث في ايّ تباين بعيداً من الأضواء والضوضاء”.

 

وتلفت الاوساط المحيطة بالحزب الى انه “وبعد الإطار الاستراتيجي الذي رسَمه السيّد نصرالله حول طبيعة المواجهة مع واشنطن في هذه اللحظة وإطلاقه مُعادلة ردعية جديدة لحماية لبنان من مخاطر الفوضى والانهيار الشاملين، لم يكن مناسباً ان يختزل رئيس التيار كلّ الأزمة برياض سلامة وبموقف الحزب حياله، طبعاً من دون إغفال ضرورة محاسبة سلامة والمصارف على السياسات التي ساهمت في الانزلاق الى الهاوية”.