IMLebanon

جبران باسيل «يهندس» مكتبه السياسي: أنا القرار

لا يفاجئ جبران باسيل راصدي حراكه الحزبي، لا سيما مرؤوسيه، وإن تسللت إلى أذهانهم في لحظات سكون استثنائية أحلام يقظة تشعرهم بأنّ رئيس «التيار الوطني الحر» سيخالف توقعاتهم، ومساره.

فالمكتوب يُقرأ من عنوانه. ومكتوب الرجل بدا واضحاً من لحظة «الانقلاب» على تفاهم النظام الداخلي الذي أراده رئاسياً يُبقي الإمرة بيده، من دون أن يُسأل أو أن يُحاسب. والأهم من ذلك، من دون أن يكون له شركاء، ولو بـ «حصص قرار» متواضعة.

هكذا خطط من بداية معركة وصوله الى الكرسي الأول في «التيار البرتقالي». ربما لاعتقاده أنّ كل من سيقاسمه السلطة، خصوصاً من المناضلين القدامى، سيقاسمه الشعبية، وسيأكل حكماً من طبق نفوذه، وقد يقضي عليه في المستقبل، أو بالحد الأدنى يصار الى تحجيمه. ولهذا استخدم سياسة «النفي الديموقراطي» لكل الوجوه المصنّفة معارضة، كي يكون «رئيساً ملكياً»، حتى لو قام الى جانبه «مجلس سياسي»، أي مكتب سياسي.. فلهذا أيضاً وصفته ليكون مطواعاً.

وحين أصدر التعميم القاضي بتصويت الملتزم الحزبي خلال الاستحقاق المناطقي في منطقة نفوسه وليس في منطقة نشاطه الحزبي، أدرك المعارضون أنّ هناك خشية من «موجة» القواعد المعارضة في جبل لبنان وهو الخزّان البرتقالي، فلذلك جرى التخفيف من ثقله بعض الشيء كي تكون معركة المكتب السياسي أقل صعوبة.

يوم السبت الماضي سطّر رئيس الحزب التعميم الداخلي ذا الرقم 9/2016 والمخصص لانتخاب أعضاء المجلس السياسي ومجلس التحكيم والرقابة المالية، وذلك بعد اكتمال عقد المجلس الوطني الذي هو بمثابة برلمان الحزب، وفيه من «الإثباتات والقرائن» ما دفع معارضيه الى قولها «زيّ ما هي»: جبران باسيل يرفض الشراكة، حتى بحدودها الشكلية، كما هي مطروحة، ولا يريدنا في الحزب ولو اضطره الأمر الى «كسر» النظام الداخلي ومخالفته وهو الذي صاغه على قياسه.

كل المسألة تتعلق بالمجلس السياسي المؤلف من رئيس الحزب، نائبيه، النواب الحزبيين، الوزراء الحزبيين، ستة أعضاء منتخبين، وثلاثة يعيّنهم الرئيس. يرأسه رئيس الحزب ويعاونه في رسم السياسات العامة، ويجتمع مرّة شهرياً وكلما دعت الحاجة، ويأخذ قرارته بالتوافق، وفي حال عدم التوافق حول المواضيع الكبرى والاستثنائية يتمّ اللجوء الى التصويت.

باختصار، لا يشكّل المجلس السياسي قيادة ظلّ لقيادة الرئيس، كما كان يؤمل منه في النسخة الأولى للنظام الداخلي، حتى لو جلس معارضو باسيل بوجهه يحاججونه في السياسات الوطنية، فلا يزال رئيس الحزب الرقم الأول والرجل الأول والأخير.

ومع ذلك، خاض المعارضون وبصمت معركة هيئات الأقضية التي أرادوا من خلالها الجلوس الى مقاعد المجلس الوطني كي يكونوا شركاء بـ «الصوت البرلماني». ولما فرزت الأصوات وبدا لهم أنّهم مرتاحون في النتائج، خيّل لهم أنّهم سيتمكنون عبر «فتات» الصلاحيات المتروكة في النظام الداخلي، من مقارعة جبران باسيل في المجلس السياسي، ليكون منبراً للقول لا للفعل.

ولكن لم يتخيلوا لوهلة من الزمن، أنّه سيصار الى رجم النظام الداخلي وتجاوزه، على علاته، لمنعهم من الجلوس في الصفوف الأمامية. عملياً، تنصّ الوثيقة التي انتظرها العونيون لسنوات، أي النظام الداخلي، في الفصل السادس المفنّد لعمل المجلس الوطني وكيفية تشكيله والمعرّف عنه على أنّه الهيئة التمثيلية للملتزمين، على أنّ تمثيل هيئات الأقضية في هذا المجلس يعتمد على مبدأ «الناخبين الكبار»، ويحتسب لكل خمسين ملتزماً في القضاء صوت واحد، على أن يستحصل كل «ناخب كبير» لكل اجتماع للمجلس الوطني على تفويض موقّع من أكثرية أعضاء هيئة القضاء يظهر فيه موضوع التفويض والصلاحيات المفوض الناخب الكبير بها.

إذاً، النصّ واضح. يستعين المنسق بالنظام الأكثري لاحتساب أصوات أعضاء الهيئة الـ13 كي يحصل على التفويض النهائي، فتقرر أغلبية أعضاء الهيئة اتجاه القرار موضع النقاش. هكذا كان يفترض أن يختار كل «ناخب كبير» ستة مرشحين للمكتب السياسي. وعلى هذا الأساس أجرى المعارضون حساباتهم لخوض معركة المكتب السياسي في المجلس الوطني الذي يضمّ 357 صوتاً لمنسّقي الأقضية وممثلي المهن الحرة والطلاب والانتشار والمرأة والجامعات والمهنيّات وأرباب العمل والبلديّات، إضافة للنقباء العونيين والنواب والوزراء وباسيل ونائبيه.

أما التعميم الصادر حديثاً، فينصّ على الآتي:

تعقد هيئات الأقضية اجتماعاتها لاختيار مرشحيها يوم الأحد في 28 الجاري بحضور ممثل عن لجنة الانتخابات المركزية، حيث يتمّ التصويت بأوراق معدّة مسبقاً، وتحتسب الأصوات ويوقّع المحضر، ويرفع فوراً الى الأمانة العامة ضمن مغلف مقفل يُفضّ في الجلسة العامة التي ستعقد في ميرنا الشالوحي في 28 الجاري.

أما جدول احتساب أصوات «الناخبين» الكبار في كل هيئة قضاء فيكون على أساس صوت كل عضو من الهيئة، بمعنى أنّ الجدول سيفنّد عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح في كل هيئة.

على سبيل المثال، انتهت انتخابات هيئة جبيل الى فوز سبعة أعضاء من لائحة طوني بو يونس القريب من النائب سيمون أبي رميا، وفوز ستة أعضاء من لائحة خصمه طارق صادق.

وفق النظام الداخلي، كان من المتوقع أن يحصل مرشحو المعارضة للمجلس السياسي على 37 صوتاً (حجم منسق جبيل القادر على تأمين أغلبية الأصوات في هيئته). ولكن وفق التعميم الجديد ستكون الحسبة مختلفة. اذ سيحصل مرشحو المعارضة على 20 صوتاً تمثيلياً في المجلس الوطني في حال حصلوا على تأييد سبعة أصوات من هيئة القضاء، بينما سيحصل خصومهم على 16 صوتاً تمثيلياً في المجلس الوطني في حال حصلوا على تأييد ستة أصوات من هيئة القضاء. وهكذا دواليك.

عملياً، سيجمع مؤيدو جبران باسيل بالمفرق ما عجزوا عن تجميعه بالجملة، وسيخسر المعارضون جزءاً كبيراً من الأصوات التي اعتقدوا أنّهم رصفوها في الاستحقاق الأول حيث كانت تشير حساباتهم الى إمكانية تحصيل نحو 200 صوت من المجلس الوطني من أصل 357. وبالتالي كان بإمكانهم تحصيل المقاعد الستة بأكملها.

هذا ما أدى بالنتيجة الى تمزيق «الانتصارات» التي سبق وحققها المعارضون في انتخابات الأقضية، وما خفف من حماستهم لخوض استحقاق المجلس السياسي الذي سيتجاوزه بعضهم، لا سيما بعد إضافة شرط الإجازة الجامعية الذي يؤكد معارضون أنّه قابل للطعن كونه ينسف مبدأ المساواة الذي يقول مؤيدو رئيس الحزب إنّه أصرّ على احترامه في الاستحقاق الأول وغضّ الطرف عن فرض هذا الشرط على مرشحي هيئات الأقضية.

يوم الإثنين الماضي فُتح باب الترشيح على أن يقفل يوم السبت المقبل، حيث يدرس كل فريق سلّة الترشيحات المتاحة أمامه، ويبدو أنّ الاتجاه هو لخوض المعركة بترشيحات فردية، لا معركة لوائح قد تحسم نتائجها سلفاً، ومن الأسماء المتداولة: بيار رفول، ميراي ميشال عون، جورج نخلة، طوني أبي عقل، رولان خوري، إيلي حنا، جيمي جبور… ومعظمهم من الوجوه المؤيدة لرئيس الحزب.

في المقابل، يجهد بعض مَن في القيادة لإقناع محازبين للترشح للمجلس التحكيمي الذي يبدو أنّ الحماسة لدخوله تكاد تكون معدومة.

بالنتيجة، يعرف جبران باسيل أنّه لن يتمكن من الوقوف على أرض صلبة إذا لم يبدأ عهده بانتصار ما، ولهذا لا يمكنه خسارة معركة المجلس السياسي التي ستكون ترجمة لانتخابات هيئات الأقضية التي خاضها المعارضون بنجاح لم يطبّلوا له ولم يزمّروا استعداداً للمعركة الثانية. لكن الخشية بالنسبة للعونيين هي في تكريس حالة الانقسام العمودي التي أنتجتها الانتخابات المناطقية، لتكون دائمة وتطبع عمل الهيئات المناطقية كلما دعت الحاجة الى التئام المجلس الوطني واتخاذ قرار، فتكون الخسارة كبيرة على الجميع مهما كانت هوية المنتصرين في هذه اللحظة.