ماذا لدى جبران باسيل أن يقدمه للخصوم الذين التقاهم بعيداً من الأضواء في الأسبوعين الماضيين، بدءاً برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مروراً بالمرشح الرئاسي رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، انتهاءً برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط؟
مع أنّ باسيل شاء أن يضفي على اجتماعاته مع هؤلاء نوعاً من الإثارة الإعلامية والتشاطر على الصحافيين الذين قال لهم إنه يجري العديد من الاجتماعات التي لا يعرفون منها إلا القليل، واعداً بمبادرة الأسبوع المقبل، فإنّ غالب الظن أنّ إحاطة تلك الاجتماعات بنوع من التكتم، قبل حصولها ثم بعده، تناسب الذين التقاهم. والسبب أنّ هؤلاء ربما يحاذرون أساساً الاجتماع به، وهم محرجون لأنهم فعلوا ذلك، أو يتفادون إعطاء تفسيرات عن سبب ما قاموا به، نظراً إلى ترجيحهم ألا يقدم أو يؤخر في شأن المسألة الأساسية التي من أجلها انعقدت تلك اللقاءات، أي استكشاف مدى إمكانية إيجاد خرق في الجدار السميك للفراع الرئاسي ووضع حد لحال الاهتراء المتصاعد في الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية، المزرية يوماً بعد يوم.
فلا باسيل يملك مفاتيح إنهاء الفراغ، وليس هو وحده الذي يتحكم بالمراوحة في الجهود الهادفة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، على رغم قوله إنّ الرئاسة تمرّ عبره وأنّ لا إمكانية لانتخاب رئيس لا يرضى تيّاره عنه. مع أنّ وقوف «التيار الوطني الحر» ضد ترشيح فرنجية عطّل لـ»حزب الله» ورقة إمكانية إيصال رئيس هو أقرب الحلفاء من بعد الرئيس السابق العماد ميشال عون، فإنّ باسيل قام هذه المرة بممارسة لعبة التعطيل التي تعلمها من الحزب خلال العقد الماضي، ضد «الحزب» نفسه، فضيّق على الأخير هامش المناورة التي تهدف إلى دفع الخصوم لتأمين نصاب الثلثين لاجتماع البرلمان من أجل انتخاب فرنجية، أو إلى إقناع 3 أو 4 نواب من ممثلي السنة للانضمام إلى خيار رئيس «المردة».
وهذا سبب الغضب عليه من قيادة «الحزب» التي تتقصّد تجاوز الإساءة التي تعرضت لها من الحليف المسيحي الأول، لأنه لم يبادلها ما قامت به لمصلحته خلال السنوات الست السابقة من عهد الرئيس عون. فهي ما زالت بحاجة إلى التحالف معه إلى أن تسمح المعادلة الإقليمية والمحلية باستبداله كغطاء مسيحي لتسخير لبنان منصة من أجل سياستها الإقليمية. وهو يحتاج إلى «الحزب» لأنه توغل كثيراً في الالتصاق به بحيث ضاقت عليه الدنيا جراء العقوبات الأميركية ضده، وغضب الدول المعنية بلبنان عربية كانت أم أجنبية، من انكشاف ألاعيبه عليها. ومن التفسيرات للقاءاته خصوصاً مع ميقاتي وفرنجية أنها بإيحاء من «الحزب» كاختبار لترويض جموحه في الهجوم عليهما لتوجيه الرسائل إلى «الحزب» نفسه.
في أحسن الأحوال مفتاح الرئاسة في يد «حزب الله»، سواء شاءت الظروف أن يتمكن من إقناع فرقاء في المعسكر الخصم، أي «السياديين» و»التغييريين» والمستقلين، بأن ينضموا إلى خياره في انتخاب فرنجية، أو أن يتفق مع بعض الخصوم على مرشح تسوية غير فرنجية كي يتخلوا عن دعم ترشيح رئيس حركة «الاستقلال» النائب ميشال معوّض. فضلاً عن ذلك، فإنّ باسيل ليس قادراً وحده على التحكّم بمنع اجتماع مجلس الوزراء الذي يعتبره ورقة في يده، لتعطيل حركة ميقاتي، بدليل أنه اجتمع في 5 كانون الأول بفضل تأمين «الثنائي الشيعي» النصاب، بالتعاون مع الوزير الأرمني جورج بوشكيان… وقد يجتمع ثانية بالأصوات نفسها إذا اقتضت الضرورة القاهرة ذلك.
لا يملك باسيل أن يقدم لخصومه، ولحليفه سوى الإقلاع عن التعطيل الذي يتقن ممارسته لابتزاز هؤلاء، في وقت يستحيل عليهم أن يقدموا له المقابل الذي يريده، كل لأسبابه، أي الموافقة على أن يعطيه المرشح الذي يمكن أن تقع عليه لعبة الروليت، الضمانات التي يريدها، بأن يتبوأ مرتبة الصدارة في العهد الرئاسي الآتي، على الصعيد المسيحي، سواء في التمثيل الحكومي، وبالاحتفاظ بالبقرة الحلوب التي هي وزارة الطاقة، أو في التعيينات الإدارية أو على صعيد المصالح الفئوية والخاصة من خلال المشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تنطلق في عملية تصحيح الاقتصاد والنمو، إضافة إلى ما سمّاه هو في تصريحاته في باريس الحصة في النفط. وما أدراك ما النفط ومشاريع الاستخراج من خلال الشركات الناشئة على ضفاف هذه العملية التي ما زالت في طور المراهنة على السمك في البحر. يضاف إلى ذلك طبعاً عدم المسّ بالمكتسبات التي حققها في السنوات الست السابقة مقابل تخليه عن التعطيل الذي مارسه عبر إمساكه بأختام الرئاسة، إبّان عهد عمه. ليس التكتم عن شرح الذين التقوا باسيل فحوى اللقاءات، حتى للمقربين منهم، سوى استشعار من هؤلاء بأن فسحة الوقت الضائع التي تتحكم بالوضع اللبناني، إلى أن يحين موعد انتخاب الرئيس، أوقعتهم في ما لا يرغبون فيه.