Site icon IMLebanon

الطموحاتُ المتراجعة: عُرِفَ السبب فبطل العجب

 

وحيداً… لم يعد لديه من يستنجد به ويلجأ إليه، ويفوضه بحماية حقوق المسيحيين سوى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، وباقي من تبقى من الفئات والجهات اللبنانية، تناصبة الحذر والبعد والخصام الشديد، وصولا إلى مرحلة العداء. إنه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل الذي ائتَمنَ نفسه على حقوق المسيحيين محّركا غرائز التعصب الشديد، وطارحا شعائر الإنعزال والإنكفاء المسيحي، ومستجمعا من حوله دعاة استعادة الإمساك بخيوط الحكم والسلطة من خلال «رئيس قوي»  لطالما نادى بإسقاط نظام الطائف والدستور اللبناني الذي اعتمده اللبنانيون  بعد حرب ضروس ذهب ضحيتها قرابة المائة ألف قتيل، وكلّفت البلاد خرابا ودماراً لا نزال نعاني من آثاره الرهيبة حتى الآن.

 

كان مؤتمر الطائف بالتالي، الحلّ المدعوم عربيا ودوليا ما زلنا كلبنانيين ننعم بنتائجه الإنقاذية حتى الآن. الأحداث المستجدة بما فيها تصاريح همايونية  أطلقها النائب جبران باسيل، مضمونها هو المحرّك المستمر في طموحاته للإطباق على الرئاسة الأولى كائنا ما كانت صعوبات الظروف واستحالات الأوضاع، حتى لو كان الثمن، تسليم مواقعه التي تسعى إلى الإطباق على الكثير من مسالك الحكم والإدارة وتوجهاتها ووجوب استعادة الماضي المتحكّم بمقاليد البلاد، مع العلم أن الأيام قد تغيرت والظروف إختلفت، والوضع القائم شهد تنازلات من الصفوف الإسلامية لخّصها الرئيس الشهيد رفيق الحريري بقوله وقراره أننا «أوقفنا العدّ»، والغريب العجيب أن النائب جبران باسيل  يعهد في تحقيق مقاصده إلى سماحة السيد حسن نصرالله، مفوضا إياه بمعالجة وحماية كل المصاعب والمطبات التي تحيط به من كل جانب، ومعيّنا له حكما يفصل في الخلافات القائمة بالشأن الحكومي ما بينه وبين الرئيس برّي والرتل الكبير المتواجد في مواقع السلطة في هذا البلد، خاصة منها، شقّها المسيحي، حيث كلّ فئاته وجهاته، تناصب العهد عموما والنائب جبران باسيل خصوصا، كل أنواع الخصومة الحادة، والخلاف في الرأي والموقف وصولا في هذا المنحى إلى القيادات المسيحية الرّوحية التي سيجمعها لقاء تشاوري هام ومكثف مع قداسة البابا لتدراس الشأن اللبناني بهدف اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الضاغطة لمنع لبنان وأهله على إختلاف طوائفهم من السقوط المريع الذي باتت كلّ المؤشرات والدلائل الملموسة، تؤكد حصوله الأمر الذي يهدّد مجمل الكيان اللبناني بكلّ أسسه وأعمدته وكلّ صنوف الحياة والإزدهار والتفوق الحضاري التي كانت له.

 

جميع الجهود المحلية والدولية والإقليمية، تبذل المستحيل للدفع إلى سبل إيجابية تمكّن من إنقاذ الوطن المعذّب من أهوال السقوط المريع الذي ينتظره والذي وإن كان كثير من أسبابه مرتبط بمؤشرات وأوضاع  محلية محضة، إلاّ أن بعضا من مسبباته واستفحالاته، مرتبط أيضاً بأسباب إقليمية محددة متعلقة بوجه خاص، بالأوضاع الإيرانية الساعية إلى إصلاح أوضاعها مع الولايات المتحدة وترتيب أمورها مع الدول الأوروبية، توطئة لرفع العقوبات عنها ولإعادتها إلى مكانة معقولة ومقبولة في المجتمع الدولي وآفاقه المنفتحة على ما أمكن من الأوضاع الطبيعية وبات من شبه المؤكد أن مباحثات قائمة وناشطة خارج إطار مؤتمر فيينا، تضم اليها مسؤولين من الولايات المتحدة ومن إيران، تتناول نقاشاتها الأجزاء الهامة من العلاقات ما بين البلدين وأثرها المتوقع على مجمل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها الوضع اللبناني شديد التعقيد والتدهور.

 

نعود إلى مواقف النائب جبران باسيل وتصريحاته الأخيرة التي أعادت الأوضاع المسيحية إلى أجواء حروبها وخلافاتها المستفحلة السابقة، وأوقعت سماحة السيد حسن في موقع لطالما سعى الحزب إلى تجنّبه والإبتعاد عن إحراجاته مع عموم الأجواء اللبنانية المسيحية والإسلامية وفي طليعتها ما تعلّق  بسلامة أوضاع الثنائي الشيعي، والعلاقات المتينة القائمة مع حركة أمل .

 

ومن الغريب العجيب أن يعمد العهد والتيار الوطني الحر، ممثلا بجبران باسيل، إلى تجاهل هذا الوضع، وإلى التغاضي عن واقع معروف يمنع حزب الله من أن تؤثر عليه أية مسببات سلبية قد تدخل سمومها ما بينه وبين حركة أمل ، دون أن نغفل الشق الإقليمي الذي له مسبباته التي تدفع الى تأجيل اتخاذ أي موقف بالشأن الحكومي المعقد قبل اتضاح نتائج المفاوضات الدائرة ما بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية والهادفة للعودة إلى الإتفاق السابق ما بينها والذي عطله وأخرجه عن سكته الأساسية، الرئيس الأميركي السابق ترامب، وسيكون من الصعب بل من شبه المستحيل أن نصل إلى حلٍ ما للشأن اللبناني عموما وللتأليف الحكومي خصوصا، قبل اتضاح المواقف النهائية من المفاوضات الدائرة في هذه الأيام على قدم وساق بالشأن المذكور أعلاه.

 

وبما يتوقع بشأنه من نتائج ومسؤوليات يقتضي القيام بواجباتها ومتطلباتها.

 

الموقع المسؤول، له أثمانه الغالية والمعقدة والتي ينتظر أن تؤثر بنتائجها على الوضع اللبناني بصوره السلبية والإيجابية. أما السعي للوصول إلى الموقع المسؤول والتمركز على كرسيه الثابت أو الهزاز، فله متطلباته ومستلزماته وفي طليعتها أن تكون للساعي إليه علاقات جيدة على المدى اللبناني الواسع ومتمتعة برضى أغلبية الأوساط ذات الأثر والفاعلية في إيصال الساعي إلى مسعاه. واقع الأوضاع بالنسبة للمطامح الحالية القائمة على الساحة اللبنانية ونشاطات الطموحين فيها، يؤشر على جهات محددة تستقوي بمواقع الآخرين ممن تربطها بهم علاقات القرابة والمصالح. من يغفل الإنتباه إلى واقع الأحوال المضطربة من حوله وفي محيطه وفي إطاراته العامة، سيتضح له عمق الثغرات التي يخلقها لنفسه وهو في سعيه إلى الموقع المأمول.

 

التراجعات الشعبية الحاصلة خاضعة في أجوائها العامة إلى القول المأثور: عرف السبب فبطل العجب! وأعجب ما في المستجدات، مضمون تصريح النائب باسيل واستهدافاته التي أغرقها بالموانع والعداوات والعراقيل.