محق هو جبران باسيل. اللجوء السوري يضع الكيان اللبناني في مواجهة سؤال وجودي. كيف يمكن دولةً أن تستقبل ما يعادل نحو ثلث عدد سكانها، في فترة قياسية لا تزيد على 3 سنوات، فيما دخلها لم يرتفع، ومواردها لم تنمُ، وبناها التحتية آخذة بالتآكل؟ طرح السؤال مشروع، لا بل واجب.
ما جرى في لبنان يعادل أن تستقبل الولايات المتحدة نحو 100 مليون نازح، في غضون ثلاث سنوات. ورغم أنها تملك أكبر اقتصاد في العالم، ومواردها خيالية، إلا أنها ـ لا شك ـ ستعجز عن التعامل مع أزمة مماثلة. الخلاصة، باسيل محق تماماً. وما يقوله، عن مخاطر اللجوء السوري، هو أقل الواجب. ولكن…
التنبيه من مخاطر اللجوء، ووجوب وضع خطط لإدارته، والتخفيف من آثاره السلبية على المجتمع والاقتصاد والموارد والبنى التحتية، لا يجيز لأي كان تجاوز الخط الأحمر: الشعبان السوري والفلسطيني شقيقان. والكلمة الأخيرة ليست شعاراً مرسلاً في الهواء يراد منه تسجيل نقاط في وجه أحد. هما شعبان شقيقان، جغرافياً، وتاريخياً، وديموغرافياً. وهذه حقيقة لن نملّ من تكرارها. وللأشقاء حق الإجارة. صحيح أن حقوق اللاجئين، سوريين أو فلسطينيين أو غيرهم، لا ينبغي لها أن تتجاوز حقوق أهل البلاد، وقد ضاقت بهم. إلا أن ذلك لا يسوّغ لأحد تجاوز الخط الأحمر الثاني، المتمثل بالعنصرية في مواجهة السوريين والفلسطينيين.
من يطّلع على وثائق ويكيليكس، فلا شك ستلفت نظره مواقف جبران باسيل، الثابتة والمشرّفة، وخاصة أنها صادرة في محضر عدو صلف ومستكبر كالعدو الأميركي. ومن يحفظ صمود باسيل السياسي في حرب تموز، فلا شك سيصدمه كلامه عن السوريين والفلسطينيين، وآخره رفضه منح اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين وسوريين حق الجنسية لأفراد أسرهنّ. ما المبرر لهذا الموقف العنصري المشبع بذكورية مفرطة في بشاعتها؟ ولِمَ إيقاظ مشاعر دفينة ولّدها من حاولوا إقناع اللبنانين يوماً بأنهم ليسوا عرباً، وبأن امتدادنا الطبيعي هو خلف البحار غرباً، لا في محيطنا مع أهلنا؟ بِمَ سيفيد هذا الخطاب جبران باسيل؟ سيتبرّع كثيرون للقول إنها رئاسة الجمهورية. فاللعب على المشاعر المعادية للفلسطينيين والسوريين عند اللبنانيين يرفع حظوظ العماد ميشال عون الرئاسية والنيابية. وسيقول آخرون إن هذا الخطاب متأصل في التيار الوطني الحر، بصفته وريث الجبهة اللبنانية السيئة الذكر. ما تقدّم ممكن. لكنه يخالف منطقياً موقف باسيل وعون، قبل حرب تموز 2006، وبعدها، يوم رفعا لواء دعم المقاومة، رغم علمهما بكلفته الشعبية الباهظة، وغير آبهين لكل التبعات السياسية، محلياً وإقليمياً ودولياً. صحيح أن باسيل، بحكم موقعه في وزارة الخارجية، هو الأكثر اطلاعاً على مشاريع التوطين التي يسوّقها جيفري فيلتمان، إلا أن هذا الموقع نفسه، يجب أن يشكّل رادعاً يحول دون استسهاله إطلاق مواقف ستترك أثراً عميقاً على علاقات الشعب اللبناني بأشقائه.
للأزمة حلول عادلة وعقلانيّة وشجاعة، معالي الوزير، بدلاً من التمرمغ في وحول العنصريّة ورهاب الغريب. لا يمكن الدفاع عن وجود الوطن أن يكون باحتقار المرأة، نصف هذا الوطن، وإخوته الأقربين!