حظيت زيارة وفد من «التيار الوطني الحر» الى دمشق قبل أيام بالاهتمام والمتابعة، كونها تعكس تطورًا ملحوظًا في العلاقة الثنائية، وتعطي انطباعًا بأنّها تشكّل ما يشبه توطئة «نفسية» وسياسية لزيارة متوقعة يقوم بها رئيس التيار النائب جبران باسيل الى العاصمة السورية.
ترأس الوفد البرتقالي، كما صار معروفًا، نائب رئيس التيار للعمل الوطني الوزير السابق طارق الخطيب، وضمّ مدير مكتبه داني سابا ومسؤول العلاقات مع الأحزاب رمزي دسوم والناشط حسان الحسن. والوفد الذي حظي بحفاوة في الاستقبال، التقى وزير الخارجية فيصل المقداد والأمين العام المساعد لحزب «البعث العربي الاشتراكي» هلال هلال.
وفيما تعرّض التيار بعد اللقاءات الدمشقية لهجوم شنّه بعض خصوم سوريا، استغربت اوساطه التحسس الزائد لدى أصحاب المزايدات حيال الزيارة التي حتّمتها المصالح والأواصر المشتركة، بعدما انتفت اسباب القطيعة والخصومة مع الانسحاب السوري من لبنان.
وتتساءل هذه الاوساط: «لماذا يحق لبعض دول الخليج ان تعيد مدّ الجسور مع دمشق كما فعلت دولة الإمارات على سبيل المثال، بينما يستكثر المزايدون ذلك على لبنان الأقرب الى سوريا، علماً انّ هؤلاء هم من مؤيّدي تلك الدول الخليجية؟».
ويقول الخطيب لـ»الجمهورية»، «انّ قيادة «التيار الحر» كانت قد اتخذت منذ فترة قراراً بتفعيل الانفتاح على دمشق، وضمن هذا السياق حصلت سابقًا زيارات لحزب البعث في لبنان وللسفارة السورية، وكان من المفترض أن نزور دمشق قبل الآن، ولكن أزمة كورونا وقطع الطرق فرضا التأجيل، الى ان تلقينا اخيرًا دعوة من الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي هلال هلال، فقرّرنا تلبيتها».
ويعتبر الخطيب «انّ الزيارة لا يجب أن تكون مستغربة»، داعيًا «البعض المستهجن الى تغيير مقاربته الجامدة للعلاقة مع سوريا التي هي شقيقتنا ورئتنا وجارتنا وعمقنا، وبالتالي يجب أن نعاملها على هذا الأساس ضمن الاحترام المتبادل لسيادة كل من البلدين واستقلاله».
ويوضح، انّه جرى البحث مع المقداد وهلال في التحدّيات التي تواجه لبنان وسوريا وفي تنظيم العلاقة بين «التيار» و»البعث» بما يخدم مصالح الشعبين، كاشفًا انّه ستتمّ مناقشة ورقة عمل مشتركة لتطوير تلك العلاقة بين الجانبين. ويشير الى انّ ملف النازحين كان حاضرًا في النقاش،»علمًا انّ معالجة هذا الملف ليست شغلتنا كوفد حزبي وإنما هي من اختصاص الدولتين والحكومتين».
ويلفت الى انّه لمس لدى المسؤولين السوريين «حماسة كبيرة وإرادة صادقة لاستعادة أبنائهم واحتضانهم، ولكن المشكلة التي لا تزال تحول حتى الآن دون عودتهم تكمن في عدم تجاوب الجهات الدولية التي تموّل بقاءهم في لبنان».
ويشير الى انّ المقداد وهلال أبديا خلال النقاشات كل احترام لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار النائب جبران باسيل، وأظهرا «كل تقدير لثباتهما على مواقفهما الوطنية المبدئية».
ولكن، أليس توقيت الزيارة على مسافة قصيرة من موعد الانتخابات النيابية هو مؤذٍ للتيار على الصعيد المسيحي، خصوصًا انّ خصومه ومن بينهم «القوات اللبنانية»، «التقطوا» هذه الزيارة كمادة إضافية للتصويب عليه؟ يجيب الخطيب: «نحن نثق في أنفسنا وجمهورنا ولا نتأثر بأي حملات او اتهامات عندما نكون مقتنعين بما نفعله. ولأنّ زيارتنا الى دمشق تتعلق بمصلحة وطنية فنحن لا نقف عند شعبوية ممجوجة، اما «القوات اللبنانية» فتختزن حقدًا معروفًا على سوريا والدور العربي، وتحريضها للشارع المسيحي علينا لن يخيفنا».
ويضيف الخطيب: «نحن زرنا سوريا علنًا في وضح النهار ولا نذهب اليها في سيارات مفيّمة او خلف أقنعة، إذ ليس لدينا ما نخفيه ونخجل منه، لأننا مقتنعون بخياراتنا التي أثبتت دائمًا صوابيتها، ولذا الافضل لـ»القوات» ان يروقوا علينا وما ينشغل بالهم على شعبيتنا». ويؤكّد أنّ «خيارنا بالانفتاح على سوريا ناتج من إيماننا بقدرية العلاقة معها، وعلى البعض في لبنان ان يعود إلى الواقع ويعترف به ويتصالح معه ويتحرّر من وهم الافتراض بأنّ العالم يدور حوله».
ولئن كانت رحلة الوفد البرتقالي الى دمشق يمكن أن تمهّد بقوة دفع تلقائية لزيارة باسيل المفترضة، الّا انّ الخطيب ينفي ان تكون هذه هي وظيفتها، لافتًا الى انّ باسيل يمكنه ان يزور دمشق في اي وقت..
وهل من زيارة محتملة قريبًا لرئيس الجمهورية ميشال عون الى سوريا؟
يشدّد الخطيب على أنّ «عون وانطلاقًا من كونه رئيسًا للجمهورية يذهب إلى سوريا في زيارة دولة، وبالتالي فإنّ ترتيباتها توضع بالتنسيق بين السفارتين ووزارتي الخارجية بناءً على التوقيت الذي يجده الرئيسان اللبناني والسوري مناسبًا».