يكفي أن تذكر إسم جبران باسيل أمام الرئيس ميشال عون حتى تتغيّر ملامحه. يتحفّز، وتضيق عيناه، وينطلق مدافعاً، استباقياً، حتى ولو لم تكن في السؤال شبهة اتهام: «ما حدا بيغبّر عليه… جبران ذكي ونشيط ومتمكّن من ملفّاتو منيح».
«بيّ الكل»، في الحديث عن باسيل، يصبح أقرب إلى ما يكون الى «بيّ جبران»… أو أقرب ما يكون إلى «بيّ» يحدثك، بسرور واعتزاز، عن اجتهاد ابنه ونشاطه وعلاماته المدرسية.
لا ينزل إسمه برداً وسلاماً على كثيرين. والحقّ أن الرجل، من جهته، لا يبخل على منتقديه وكارهيه الكثر بما يستفزّهم ويغذّي كرههم له، ويجعل جسمه «لبّيساً» لكل أنواع الاتهامات. الصهر المدلل، الطائفي، العنصري، الفاسد وصفات أخرى لا تستفزه كثيراً، حتى ليمكن تخيّله، في أحيان كثيرة، وكأنه يضحك مغتبطاً ويمدّ لسانه لكل المتهِمين متلذّذاً بإغاظتهم.
سياسيون كثر، حلفاء وخصوماً، يمقتون هذا الوافد حديثاً الى «الصف السياسي الأول» متكئاً على دعم لا محدود من جنراله، والمعتدّ بنفسه حتى الاستفزاز. وكثيرون يؤكدون أن علاقة عون بأفرقاء سياسيين آخرين كانت لتكون أفضل مما هي عليه بكثير لولا أن الوسيط اسمه… جبران باسيل. رغم ذلك، لم تحل «الكيمياء المفقودة» دون أن يكون باسيل رجل المهمات السرية التي يكلّفه بها عماد بعبداً. فهو قناة التواصل الوحيدة بين عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي يتواصل معه بانتظام. وتؤكد المصادر أن الكيمياء بينهما «شغّالة جيداً». كما انه قناة التواصل الوحيدة مع الرئيس سعد الحريري، وفي فترة قصيرة «تفاعلت الكيمياء» بينهما أيضاً. فيما العلاقة مع سمير جعجع، بعد تفاهم معراب، باتت «راكبة». في التيار، خصوصاً في الملفات الحساسة ــــ بل وفي كل الملفات ــــ تنطبق مقولة: «ما في بالميدان إلا… جبران»!
متابعته للملفات التي يتسلمها بأدق تفاصيلها جعلته الأقرب إلى الجنرال وموضع ثقته. لعلاقة المصاهرة، هنا، أثرها بالتأكيد وهي تشكّل «بونوس». لكن يبدو من غير العدل ربط الصعود الصاروخي للرجل والثقة التي يمحضه إياها عون بالمصاهرة حصراً، خصوصاً أن لرئيس الجمهورية صهرين آخرين وابن أخ وابن أخت يعملون جميعاً في الشأن العام.
كتوم بما ينفّر معظم الصحافيين ويجعل الحصول على سبق صحافي منه من رابع المستحيلات، رغم أن حضوره يبدو طاغياً إعلامياً. لا يفوّت مناسبة من دون أن يبدو مسكوناً بمسيحيته، خطاباً ومظهراً وصلباناً على رؤوس الجبال. مفاوض صعب دفع الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الى مخاطبة عون، على هامش مفاوضات الدوحة عام 2008، قائلاً: «ده اسمو جبرايل أو عزرايل؟ ده طلعلي روحي» بعد يومين من البحث المضني في تفاصيل تقسيم الدوائر الانتخابية في بيروت.
في 1988، اجتذبت شعارات الجنرال المتمرد طالب الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، ككثيرين من أبناء جيله المسيحيين. فكان ممن تظاهروا في «قصر الشعب» بعد إعلان حكومة عون العسكرية في أيلول من ذلك العام، قبل أن يتطوّع في الجيش. لكن حلم «الحرية والسيادة والاستقلال» أنهته صباح 13 تشرين الاول 1990 الطائرات السورية التي حلّقت فوق قصر بعبدا، وأخرجت عون إلى السفارة الفرنسية لتسعة أشهر قبل الانتقال الى منفاه الفرنسي. حتى ذاك، لم يكن باسيل قد تعرّف الى عون شخصياً، لكنه سعى جاهداً حتى نجح في الحصول من الجنرال اللاجئ في السفارة الفرنسية على صورة له مذيّلة بتوقيعه.
«هيدا الشاب اللي من البترون يا أما ذكي كتير يا أما عميل كبير». هذا ما أسرّ به عون لمقربين منه بعدما زاره إبن الثالثة العشرين (مواليد 21 حزيران 1970) في منفاه الفرنسي في الـ«هوت ميزون» ليلة عيد الميلاد عام 1993. كان ذلك اللقاء الأول. طلب منه الجنرال التواصل مع دوري شمعون أيام ما كان يسمّى «المجلس الوطني اللبناني». لكن باسيل، «بعدما شعر أنه صار في الأحرار»، فضّل التواصل المباشر مع عون هاتفياً وعبر تقارير كان يرسلها بالفاكس.
وبعدها، انضوى مع مجموعة من الشباب العوني في ما سُمّي «نادي لبنان الأخضر». بحلول 1996، بات يُعرف بـ«القيادي في التيار الوطني الحر»، وبصفته هذه شارك في المؤتمر الوطني اللبناني الذي نظّمه العونيون في فرنسا. هناك، كان لقاؤه الأول بشانتال، صغرى بنات الجنرال، قبل أن يقترنا عام 1999. بدءاً من 1996، بدأ التيار يتخذ شكله التنظيمي، فتدرّج باسيل في المواقع الحزبية بدءاً من منسق البترون ثم أمين سر التيار فمسؤول العلاقات السياسية فيه.
أقرانه العونيون الذين رافقوه في تلك المرحلة يجمعون على أن أهم ميزاته أنه منهجي في عمله. «عندما كنا، ببراءة، نعتقد بأننا قادرون على تغيير العالم كان معنا. لكنه، في الوقت نفسه، كان قد افتتح مكتبه الهندسي بعد تخرجه وأنهى مشروعه السكني الأول وبدأ بالثاني. لديه قدرة على تقسيم الوقت لكل شيء»، يقول أحدهم. وهي قدرة تمكّنه من إعطاء حديث صحافي أثناء خضوعه لفحص طبي في المستشفى، وإعطاء موعد لوزير خارجية الصين في منتصف الليل قبل ان يسافر الى اربعة بلدان في رحلة تستغرق… يومين. كما تمكّنه، بين لقاء مع وفيق صفا وآخر مع نادر الحريري، وبين اجتماع للتكتل وآخر للهيئة السياسية وثالث للمجلس السياسي، من متابعة ترميم سوق البترون القديم وملاحقة شؤون سوقها الجديد ومينائها البحري ومعهد علوم البحار وجمعية «بترونيات» وشكل شجرة الميلاد في المدينة، قبل أن يرسل «أس أم أس» لـ«الشباب» يحدّد لهم فيها موعد «ماتش الفوتبول». وبين هذا وذاك، هناك دائماً مساحة لـ«التنفس» بعد ظهر السبت يطّلع خلالها على المشاريع التي ينفذها مكتبه الهندسي في البترون ويضع تعديلات على خرائطها. متطلّب ويدقّق في التفاصيل. نحو 18 ساعة من العمل يومياً تجعل كل من حوله يبدون لاهثين، يحاولون التقاط أنفاسهم.
في سنوات طفولته تنقل والدته أنه كان يقول بأنه «بس إكبر بدي أعمل بطرك». كبر جبران ودخل سلك السياسة، لا الكهنوت، وبات اليوم في ظل الرئيس. يؤكد أنه ليس «رئيس الظلّ»، بل «إلى جانبه وتحته ووراءه، ولكن أبداً ليس فوقه»… حسناً. ماذا عن «بَعْده»؟ جبران باسيل ماروني. والماروني، منذ الولادة، مرشح طبيعي للرئاسة.