Site icon IMLebanon

باسيل بين “اللوْفَكة” و”إقصاء” المسيحيين

 

 

«بيت القصيد» في خطبة جبران باسيل العصماء أمام حضور حفلته التمويلية السنوية إصداره للبطريرك الراعي ما يشبه «أمر عمليات» تترتّب على رفضه تبعات إن لم يَجمع القيادات المسيحية لإطلاق نفير «رفض الإقصاء».

 

لكن، ومن غير نكء جراح أو فتح ملفات، لا ضير قبل التطرق إلى الهواجس العونية المسيحية من التذكير بممارسات نعاني تداعياتها الكارثية فيما يصرّ باسيل على اعتبار نفسه «سدرة المنتهى» في الإصلاح ونشدان مصلحة لبنان.

 

قارئ هذا المقال حفظ لهجة زعيم «التيار» ومفرداته والتباساته ومضمر صريحه المفتعل. ويعلم أنه «يبكي عهداً مضاعاً» بدّده في شبق السلطة وأوهام العظمة، فيما «صيت الفقر» الذي يروّجه تنفيه ست سنوات زيَّنتها «فاطمة غول» بصفقاتها، وسدودٌ ما ابتلّت حتى باستسقاء.

 

إعتراض باسيل على حرب «المُشاغلة» التي أطلقها «حزب الله» مجرّد حردٍ رئاسي يمكن أن ينتهي بتقاطع على رئيس تافه أو على حصة وازنة في عهد تابع، ولا علاقة له بمبدأ سيادة الدولة وعدم جواز فتح جبهة صواريخ ومسيّرات بمعزل عن الشرعية وباستخفافٍ مطلق برأي أكثرية الناس.

 

بارعٌ باسيل في تزويج المفارقات. فهو ضدّ الاستشهاد «على طريق القدس»، لكنه مع بقاء السلاح إلى ما شاء الله بذريعتي «مسمار شبعا» والإرهاب. عاتبٌ على إحجام «حزب الله» عن مساندة «هَوَسه» ببناء الدولة، رغم ولوجه في قصة غرام جمعتهما على تطويع المؤسسات والمواعيد الدستورية، وأنجبت تغطية صفقات وهدماً لسلطة القضاء ومنعاً لمحاسبة الناهبين ومرتكبي جريمة 4 آب وشذّاذ الآفاق.

 

زبدة خطاب باسيل إلى جمهور المتبرّعين «كي يبقى حراً» مطالبتُه سيّد بكركي بأن يستدعي بلا أعذار ولا إبطاء الزعماءَ المسيحيين رافعاً لافتة «يأكلون حقوقنا، ويا غيرة الدين»، وكأنّ منعَ الرئيس ميقاتي من سكرة التمتّع بتوقيع رأس الدولة وإصدارِ مراسيم لا ترضي وزراء باسيل، يعيدُ حضور المسيحيين إلى الدولة أو يلغي واقع أن رئيس الحكومة هو مجرّد رجع صدى «الوالي بالوكالة» في عين التينة.

 

«خير خلف لخير سلف»! دشّن الجنرال اتهام السنَّة بالهيمنة على القرار والانتقاص من حقوق المسيحيين، وها هو خليفته اليوم يحثّ السير على خطاه، رغم علمه بأن مشكلة النفوذ المسيحي في السلطات الدستورية والإدارة ليست محصورة في الصلاحيات ولا يمكن اختصارها بأطماعه السياسية أو بصغارات يرتكبها بعض الشركاء، بل هي جزء لا يتجزأ من أزمة لبنان الوطنية والتي كان لـ«التيار» يد طولى في تسعيرها وتعميقها مع دخول ميشال عون «قصر الشعب» واستكماله «فتوحاته» بحربين وتتويجها بمعادلة «الكرسي مقابل تغطية السلاح».

 

كان أحرى بجبران باسيل بدل «اللوْفكة» في نقد حرب «حزب الله» التمهيد لأي اجتماع مسيحي في بكركي بقطع واضح مع مسيرة تدمير الدولة وبمعاودة الانخراط في مشروع استرجاع مؤسساتها وسيادتها على أرضها… ليس مطلوباً منه معاداة «الحزب»، بل المجاهرة بموقف وطني شجاع تتوقف معه الأضاليل والالتباسات التي رافقت مسار «التيار».

 

لا تعالَج أزمة لبنان الوطنية بحلول طائفية. شعور المسيحيين بالغبن يدركه كل مواطن يرفض استقواء فئة تُبقي لبنان في حمأة الصراع وكأنه منذور للاستمرار معلّقاً على صليب الإقليم. صحيحٌ أنّ شعورهم الحالي بالتهميش مدعاة قلق مشروع على المصير، لكن خيار دولة المواطنية التي تحترم التعددية وتعتمد «الحياد» البطريركي وليس «التحييد» الباسيلي هو الطريق، وأقل كلفة عليهم قبل آخرين.