بعد كل لقاء مطوّل كان يجريه الرئيس السوري حافظ الأسد مع أي مبعوث دولي أو رئيس دولة أو وزير خارجية، يخرج الناطق الرئاسي السيد جبران كورية بتصريح من جملة واحدة لا تقول شيئاً ولا تقدم معلومة مثل “دار الحديث حول عدد من المسائل الدولية التي تهم الجانبين ومنها الوضع الذي آلت إليه عملية السلام في المنطقة” وإن استفاض كورية وتوسّع يزيد “كانت وجهات النظر متطابقة” حتى لو كان ضيف سيادة الرئيس كمال جنبلاط. وكان كورية، بحكم موقعه، ممراً طبيعياً للزملاء الصحافيين للوصول إلى سيادة الرئيس والفوز بمقابلة، وفي لبنان “كوريون” كثر ومنهم مدير تشريفات يلعب الدور نفسه وتردد أنه لطالما همس في أذن أحد الرؤساء لمنح زيد وساماً وعمر حظوة لغايات نفعية ومنهم أيضاً موظف كبير يتبارى ونفسه في تلميع صورة الرئيس والدفاع عنه في وجه منتقديه.
لا يُحسد الموظف الرسمي في القصر إلاّ على دوام الوجاهة والرتبة والراتب، ولا يحسد على تكليفه بمهام حارس مرمى فريق العهد حيناً وقلب هجومه أحياناً، ولا يحسد عندما يدبّج بياناً لا يقنع صحافياً متمرناً كالتأكيد مثلاً “أن التشاور مستمر في شأن تشكيل الحكومة ووفقاً للدستور بين الرئيس عون والرئيس المكلّف سعد الحريري ولا يوجد طرف ثالث فيه” فإن لم يحضر جبران بالجسد إلى بعبدا فروحه حاضرة، وشروطه واضحة، ولمساته واضحة، ونكده حاضر. وإن لم يكن الخليلان ووحيد المغنية وثلاثي اللقاء التشاوري وعطوفة أمير خلده جالسين على الطاولة الرئاسية للإدلاء بدلوهم في شأن التركيبة، فأجنحتهم الملائكية ترفرف. ومن دون أن يقول شيئاً يلبط سليمان بك إجره في بنشعي ويحدد هو حصته لا مطلبه في الحكومة.
لا لزوم لإقحام الدستور في عمليات المحاصصة وتوزيع الحقائب بين القوى السياسية، بمعزل عن أي مكوّن آخر، كأن لا ثورة ولا ثوّار، فـ”اللي بيّو أقوى” هو الدستور والمرجع وصاحب الكلمة الفصل.
لا لزوم لتعديلات دستورية تحاول عبثاً إعادة الملك السليب إلى الرئاسة الأولى بطريقة تزيد الأزمات تأزيماً.
لا لزوم للتمسك بالدستور، بمناسبة وبلا مناسبة. أريحوه.
لا لزوم لبيانات من أسطر قليلة خفيفة نظيفة لا تقول شيئاً في الواقع، مثل بيانات المرحوم جبران كورية، ولا تقدم بالتالي لمواطني جهنم صورة واضحة لا عن مسار التأليف ولا عن كواليسه ولا عن الملائكة ولا عن الشياطين ولا عن مآل المبادرة الفرنسية ولا عن الهمهمات والعنعنات والهمسات، لا عن لعب الأولاد: شد الحبال.