آخر شيء يودّ اللبنانيون أن يشاهدوه ويسمعوه هو الإطلالات المتفذلكة بورقة سياسية «تحتال على الألفاظ» للوزير السابق رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ذكّرنا عندما قامت قيامة حلفاء سوريا على طاولة الحوار في المجلس النيابي في آذار عام 2006 لأنّ النظام السوري لا يتقبل مفرد «ترسيم» الحدود فخرج وليد جنبلاط علينا ليقنعنا بأن اللغة العربية مطّطة وأن «تحديد» الحدود تفي بالموضوع، وما أكثر الحدادين في هذا «التحديد»، بالأمس فكّر جبران باسيل أنّه يستطيع التلاعب على اللغة العربية ولا نعرف من الخبير اللغوي في تياره الذي أقنعهA أن يلعب بين خطيّ الحياد البطريركي و«التحييد» العوني، أما لبنان المشرقي فعليه أن يضبضب هذه المفردات التي عاد الجنرال ميشال عون يحمل لبها من زيارته لإيران التي عيّنه خلالها المرشد علي الخامنئي بممثل المسيحيين المشرقيين، يصرّ التيّار العوني وجبران باسيل تحديداً على العبث بوثيقة الوفاق الوطني والتلاعب على «الطائف» متجاهلاً أنّ هذا الكلام سيكلّف البلاد حرباً أهليّة جديدة!!
كأنّ اللبنانيين لا تكفيهم الانهيارات اليوميّة التي تحاصرهم بسبب سياسات أوصلهم إليها تسلّط جبران باسيل على مفاصل الحكم بقوّة وجود عمّه على رأس السلطة، «فذلكة» جبران أو ورقته السياسيّة المليئة بحشو العناوين، مجرّد عناوين فارغة، كأنّه يعيش في بلد آخر، أو أنّ داء الإنفصال عن الواقع يعصف برؤوس لا تكترث إلا لوجودها على رأس السلطة حتى لو كلّف الأمر دمار لبنان!!
جبل الأزمات يتعالى أمام اللبنانيين حتى صارت أزمة تشكيل حكومة هراءً أمام ما يعيشه المواطنة وبالرغم من الواقع الصعب جداً لا يزال السياسيّون منشغلين في محاربة بعضهم بعضاً، و»التّمريك» على بعضهم بعضاً، غير آبهين بأهميّة الوقت بالنسبة للبلد وأزماته، هناك في الظلّ من يريد أن يظلّ ممسكاً بزمام الصلاحيات حتى لو كلّف الأمر ذهاب لبنان «في ستين داهية»! لم يعد جبران باسيل يخفي رغبته الشديدة بتغيير دستور لبنان وإعادة الزمن إلى الوراء إلى ما قبل «الطائف» أمر يحلم أن يستطيع أن يفعله خلال عهد عمّه ليكون حلمه بالقبض على الرئاسة بعد أن يرث عمّه من دون أن يستطيع أحد إيقافه، مسكين جبران يظن نفسه «بولدوزر»!!
إذا استمرّت هذا العبث «المشرقي» السخيف بتغيير هويّة وطن عربي دفع اللبنانيّون ثمن وضوح هذه الكلمة واضحة وضوح الشمش في دستور لبنان بعدما كانت غامضة ومواربة بوصفه «ذو وجه عربي» ، بأمثال جبران باسيل نحذّر بأنّ لبنان سيكون ذاهباً باتجاه حرب أهليّة جديدة، ونُذُر هذه الحرب تلوح في الأفق اللبناني، وتأتي في لحظة لبنان فيها انهار على كلّ المستويات، والحرب حاجة لإعادة خلط الأوراق، وما يحدث في المنطقة من إعادة توزيع لدويلات، وحجم ومكان وعدد دويلات لبنان على هذه الخارطة لا يزال ضائعاً على خارطة تقسيمات المنطقة!
الرئيس الثالث عشر سيكون الأخير في تاريخ لبنان الكبير وجمهوريّة الطائف، وأيّ ربع ساعة أخير وما قد ينتج عنه لن يكون حلاً ولا يعوّل عليه لأنّ الساسة اللبنانيون يملكون موهبة فائقة في استيلاد سلسلة أزمات متوالية، فعاصفة الكذب واللعب بالدستور اللبناني هذه ليست الأولى إلا أنّها قد تكون الأخيرة!
سقط الوزير جبران باسيل في الشارع مع اندلاع ثورة 17 تشرين الأوّل، المشكلة معه أنّه مدرك أنّ اللبنانيّين طردوه من الباب، وبقدر ما يرفض اللبنانيون عودته عبر أي حكومة، يرفضون عبثه باتفاق الطائف أخرجه اللبنانيّون من باب الحكومة مطروداً، وسيكون من الصعب عليه كثيراً العودة من شباك «ورقة سياسيّة» بعناوين فارغة واحتيالٍ على مفردات اللغة العربيّة الفضفاضة!!