Site icon IMLebanon

جبران تويني ولبنان

مضت على لبنان أكثر من عشر سنين عجاف. لم يظهر هذا القحط في عجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية فحسب. بل يتمثل أيضاً بصورة صارخة في عدم تمكن العدالة بعد من تحديد الضالعين في اغتيال جبران تويني في ١٢ كانون الأول ٢٠٠٥، وآخرين قبله وبعده.

ليس سراً أن البعض سعى، مراراً وتكراراً ومباشرة وغير مباشرة، الى اغتيال فكرة لبنان كبلد مختلف عن كل ما في جواره من دون استثناء. جواره الأسوأ اسرائيل. ضاعفت الحرب في سوريا الخطر الآتي من الشرق والشمال.

جاء اغتيال جبران تويني في سياق. هناك من سعى الى تحطيم لبنان عبر كل هذه السنين. عمل البعض على تهشيم ما يمثله هذا البلد الصغير. جهد لإذابته في أمم أوسع، تارة بإسم العروبة – وما أدراك ما العروبة في حالها القرن الماضي – وطوراً بإسم معتقدات دينية وطائفية أو غير دينية وطائفية. أرادوه ملحقاً وتابعاً. لم يكتف هؤلاء باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وأنطوان غانم ووليد عيدو ووسام الحسن وغيرهم. وجدوا من قاوم بقوة أي محاولات لتحديد الضالعين في هذه اللعبة السوداء. لا مجال الآن للخوض في أسباب هشاشة الأقليات الطائفية والمذهبية اللبنانية، الكبيرة والصغيرة، وسعيها الى الارتباط بجهات إقليمية أو دولية أكبر وأقوى. لبنان غني بالباحثين في علم الخوف الاجتماعي.

دفعت “النهار” ثمناً باهظاً لفكرة تحييد لبنان. جلبت سياسة الأحلاف والمحاور خراباً بعد خراب. لم تكن تحتاج الى تفسير محاولة اغتيال مروان حمادة. نصف الرسالة استهدف “النهار”. سقط جبران تويني رافعاً القلم كما في تلك الصورة إثر اغتيال سمير قصير. كم كان عظيماً غسان تويني إذ اتكأ على نعش ابنه ليدعو الى دفن الأحقاد في لبنان. غير أنه ظل الى يومه الأخير في هذه الدنيا ساعياً الى العدالة الفقيدة في هذه الأرض.

على رغم صدور قرارات اتهامية في مقتل الحريري، لم تتوصل المحكمة الخاصة بلبنان حتى الآن الى أحكام في هذه القضية وفي الاغتيالات الأخرى. غير أن هذا المسعى الدولي الجاد لإعادة الإعتبار الى حكم القانون في لبنان لم يوقف محاولات تدمير مؤسساته. أدى الاستهتار بالدولة الى تورط لبناني عميق في الحرب الأهلية السورية. لا رابح في هذه الحرب التي يبحث العالم عن مخرج لها.

حُرِس استقرار لبنان في هذا الوقت الحرج. لا يذهب الديبلوماسيون في الأمم المتحدة بعيداً في الأنباء عن توافق دولي وإقليمي على تزكية اسم محدد لرئاسة الجمهورية تمهيداً لإعادة الإعتبار الى بقية مؤسسات الدولة اللبنانية.

هذا ما سعى اليه جبران وسائر المدافعين عن لبنان.