جملة من الانقلابات، شهدتها الساحة اللبنانية التي تناولت عمق التركيبة اللبنانية، فهزت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، تمثلت هذه التحولات الإنقلابية بما يلي من المستجدات:
– لعل أبرز وأعمق التحولات الإنقلابية الحاصلة، مستجدات تشرين الأول 2019، مع بروز تلك الثورة التي هبت عاصفة هوجاء فملأت الساحات اللبنانية جميعا بفيض من الثوار- التغييريين الذين قلبوا الطاولات جميعا من خلال استهدافات شاملة ومحددة: كلن يعني كلن، وكانت بدايات الثمرات الانقلابية متمثلة باستقالة الحكومة، مصحوبة باعتراف رسمي واضح، بأساسيتها وفاعليتها وشموليتها لأطياف واسعة من اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم، وامتلأت أجواء الوطن بشعارات الوحدة الوطنية الحقيقية التي لطالما كانت مستوقفة بأوضاع الخلافات الطائفية والمذهبية وبركود واستسلام في صفوف اللبنانيين، لم تدب به اليقظة والإنتفاضة والحياة إلاّ بانطلاقة تلك الثورة وخلال الأيام التي تلت انطلاقتها.
– إستقالة الرئيس الحريري وما تمثل بها من محاولة لاحتواء الإنتفاضة – الثورة، وفي خضم توافق مبدئي سابق على ترشيح الرئيس الحريري لقيادة حكومة جديدة كانت كل الدلائل تشير إلى شبه إجماع الأفرقاء اللبنانيين أحزابا ومسؤولين وأصحاب سلطة ونفوذ، على أن تكون الحكومة الجديدة، معقودة اللواء إليه في إطار اقتصر الخلاف فيها على ما اذا كانت ستشكل كحكومة تكنوقراط، او حكومة خليط ما بين التكنوقراطية والسياسية، وكان الثنائي الشيعي والتيار العوني يطالبان بإصرار بأن تكون الحكومة الجديدة متمثلة بهذا الخليط، سريعا ما اكتشف الرئيس الحريري أن أرض ترشيحه أصيبت باهتزاز شديد خاصة بعد موقف حليفه السابق ورفيقه في تحالف 14 آذار (القوات اللبنانية) بالإحجام عن ترشيحه، وبتهليل مفاجيء لمرشح جديد لرئاسة الحكومة، أثبتت الأوضاع المستجدة أنه الانقلاب السلطوي الحقيقي الذي طاول وضع السلطة اللبنانية بأسره، وهكذا برز إلى الساحة كلمح البرق الذي أفرزته العاصفة، مرشح جديد للرئاسة من أوساط يدعمها حزب الله ولواحقه، ومنشأها يعود في منطلقاته إلى المرجعية الإيرانية، وقيل في محاولة لتمرير هذا المستجد الإنقلابي، أن الرئيس الحريري مؤيد «بتردد» لهذا الترشيح، وسريعا ما تم تراجعه عن هذا التأييد وظهور بوادر معارضة سنية شاملة لهذه «التقلبات» المتعاقبة، والتي باتت لا تستحي فتفعل ما تشاء.
– وبصورة مستجدة، وبسعي دؤوب ومؤازرة من التيار الوطني الحر وبتدخل ظاهر وخفي في الآن نفسه، من رئيسه الوزير جبران باسيل، الذي أثبتت تغريدات التواصل الإجتماعي أنه في طليعة السباق الذي جعله في الموقع الشعبي الأكثر رفضا وكرها لأسباب لم تعد خافية على أحد، لقد طُرحت على الساحة اللبنانية قضية نابعة من صلب الكيان اللبناني وقواعده المرتكزة إلى أسس ميثاقية، فامتلأت الساحات بمعترضين على هذه المستجدات المبرمجة والمقصودة والتي تخلّص منها طرفان أساسيان في الكيان اللبناني من طرف أساسي ثالث هو الطرف السني دون أن ندخل في هذا المجال في الأسباب المختلفة التي أدت إلى هذه النتيجة وفي تحديد على من تقع المسؤولية في وصولنا إلى هذه المواصيل المؤسفة التي استغرقت تراجعاتها جملة من السنوات ومواضيعها جملة من المواضيع واعتراضاتها أطنان من الاعتراضات.
– وهكذا وقعت البلاد في وضعية خلافية انقسامية شوهت الإطار الوطني الشامل الذي ارتكزت إليه الثورة – الانتفاضة للبلاد، وتركنا أمام قضية مناقشة تمثلت في طرح جاد وعنيف لموضوع الميثاقية التي تأمنت لفريقين أساسيين وأبعد عنها بصورة مشبوهة ومشغولة بعناية واتقان، فريق أساسي ثالث كان لا بد من وجوده في إطار تمثيلي سليم، لتسلم البلاد في أركانها الأساسية ولتنجو من أي احتمال بتحويل الوضع إلى بؤرة مستجدة من الخلافات والنزاعات والافتعالات المشبوهة.
– أراد الرئيس الجديد للحكومة أن يضع نفسه في موقع البديل السني المنتقل وأكد في تصريحاته على ذلك، ولكن ما تبدى من تصريحات ومواقف داخلية واقليمية (إيرانية بالتحديد) ذهب بعض مسؤوليها إلى اتهام الثورة – الإنتفاضة بأنها مؤلفة من عملاء اسرائيليين (كذا)، وأن زعم الميثاقية هو زعم مردود ومرفوض، سواء كان هناك سبق للتشبث به من قبل فريقيه الآخرين وخاصة فريق التيار الوطني الحر الذي علق البلاد في النزاع الطويل لسنوات عديدة استنادا إلى وجوبية الرئيس القوي وإلى استعادة فريقه لأوضاع الرئاسة السالف قبل اتفاق الطائف، وكان مدعوما في هذا التوجه من قبل حزب الله إلى أن كانت «التسوية» التي تحققت آنذاك والتي انتهت بفرط عقدها وطرح العنصر السني من ثلاثيتها التاريخية.
– جملة من الوقائع والحقائق والمستجدات فضلا عن جملة من المواقف العملانية المختلفة بما أوصلها إلى وضعها المعقد القائم، تدلنا بصورة قاطعة على أن ما يحصل رافقته جملة من المؤامرات المركزة والمستهدفة للوضع السني في هذا البلد الذي ارتكزت تركيبته على ميثاقية ثابتة وأكيدة، إلاّ اذا كان المقصود ايقاع طعنة انقلابية بهذه الميثاقية وبآثارها ونتائجها على صورة ومسيرة الحكم في لبنان، خاصة بعد الحدث المستجد المتمثل باغتيال قاسم سليماني وتوقعات نتائجه وردود فعله، حيث أصبحت الأمور متناهية الخطورة وأوراقها الملتهبة لا تنبيء إلاّ بمزيد من التخبط والاضطراب والسقوط في المهاوي الخطيرة