IMLebanon

الجميّل في الجنوب أبعد من المناسبة

 

تكبير «خيار الإستقرار».. أمّا الرئاسة فأمر آخر؟!

ربما لم تكن المناسبة وحدها هي التي حدت بالرئيس أمين الجميّل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، أن يدخل إلى جنوب لبنان، من البوابة الصحيحة، التي أخطأها وزير الخارجية جبران باسيل، عندما ذهب إلى قرى رميش، وإبل، وعين إبل، الحدودية، وهي قرى مسيحية، قبل أكثر من ثلاثة أشهر.

المناسبة، حزبياً، إعادة افتتاح مركز لحزب الكتائب في جديدة مرجعيون، في إطار إعادة إحياء المراكز الحزبية، في ظل صراع، ولو ديمقراطي، لكنه غير مسبوق، على كسب الشارع المسيحي، الغارق، في مرحلة من الترقّب، والتجاذب، والإنتظار، والرعب، مما يجري في المنطقة، من زياحات جغرافية، خرائطية، وبشرية، تُعيد الإنتباه إلى بناءات عرقية، ودينية ومذهبية.

الأصل، في اللحظة السياسية الراهنة، هي انتهاز المناسبةالحزبية، وتحويلها إلى مناسبة وطنية. اراد الرئيس الجميّل، الدخول إلى الميدان الرئاسي، الرحب، من بوابة الجنوب، المحرّر، المقاوم، الذي يقف شعبه صامداً على تخوم عدو، متربّص، هو «العدو الإسرائيلي»، والوصف لرئيس حزب الكتائب.

دخل الرئيس الجميّل، الذي يقدّم نفسه، شخصية توافقية، خارج الإصطفاف، الى الرئاسة من الجنوب، إن الرسالة، هنا، تكتسب رونقها الوطني، من طبيعة المنطقة، وطبيعة القوى السياسية فيها، وطبيعة الحوارات المفتوحة، على إعادة إلتماس «هلال الوفاق اللبناني».

أتقن رئيس الكتائب اقتناص اللحظة السياسية المؤاتية: فخرجت الزيارة من «الإنعزال» إلى الإنفتاح، وعبّرت، سواء عبر محطاتها، أو مضامين ما قدّمه الرئيس الجميّل من مواقف، وما سمعه من نقاط إتفاق، ونقاط خلاف أو «تباين» بتعبير وزير المال علي حسن خليل، عن «القوة الميثاقية» الكتائبية، في البحث عن مكان تحت «شمس المتغيّرات» الهائلة في لبنان والمنطقة..

يعرف رئيس حزب الكتائب بالتجربة التاريخية، معنىالعلاقة مع حركة «أمل»، التي صار رئيسها رئيساً لمجلس النواب، فهو حارس الديمقراطية، والمؤتمن على المؤسسات، بالتوصيف الكتائبي. ويعرف رئيس الكتائب بالتجربة المباشرة، والتاريخية أيضاً، معنى العلاقة مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، الذي انقلب، وتحوّل، فأجرى مصالحة الجبل، وكرّس الإنفتاح على اليمين اللبناني، ممثلاً بالكتائب و«القوات»، واصطف، ثم خرج من الإصطفاف، فلا هو من 14 آذار، ولا هو من 8 آذار، غير أنه بقي بالغ الحرص على العلاقة مع حليفه الإستراتيجي الرئيس بري..

في دارة الوزير خليل، نائب مرجعيون، والشخصية الحركية الأقوى، بعد الرئيس بري، بعث الجميّل برسائل للمقاومة، والأعداء، وللوحدة الوطنية، ومن هناك أيضاً سمع الجواب، من القيادي الحركي، صاحب الدعوة، ومن نائب مرجعيون أيضاً، القيادي في حزب الله، علي فياض، الذي اختار كلمات مناسبة، إنفتاحية، لكنها، يغلب عليها، الكلام العمومي، بانتظار الحوار الذي بدأ بين حزب الله، وحزب الكتائب، لمناسبة الرئاسة، وأبعد من الرئاسة، وسط توجهات للكتائب تبدأ من الدعوة للتنسيق مع نظام الأسد في ما خصّ الأمن والإقتصاد والنازحين، ولا تنتهي بمدّ اليد «لحزب الله» المقاوم، والذي يتعيّن عليه، الذهاب الآن إلى المساهمة القوية ببناء الدولة، فبعد المقاومة، عملية البناء.. والمساهمة في السلطة.. فالمقاومات في التاريخ، لا تستمر إلى ما لا نهاية، فلا بدّ من حصر مهمتها في بلدها، وليس خارج المهام الوطنية..

في خلوات البياضة، ومن حاصبيا، أكد الجميّل، المعنى الوطني، لزيارته، ضمن ما يُطلق عليه «العائلة اللبنانية»، وبعث برسالة كبيرة لوليد جنبلاط، من دون أن يُعلن انضمامه إلى محور بري – جنبلاط – حزب الله.

تقترب القوى الثلاث: أمل، الحزب التقدمي، حزب الكتائب، من نقاط التقاط، مختبرة، ومعتبرة، ومتقاربة، في وقت، لم تفلح فيه بدائل، التمثيل التقليدي للطوائف، في انتزاع مشروعية، قوية، في إعادة بناء «أنظمة متواصلة» من البناء، بدل العداء، ومن الإقتراب بدل التباعد..

لا يعني الرئيس بري أن يقترب من أو يبتعد عن «التيار الوطني الجر»، علماً أن تسوية قضية مياومي الكهرباء، أثبتت قدرة قائمة على إيجاد تسويات للتأزمات الوطنية الحاصلة، أو حتى للخلافات حول هذه القضية أو تلك.. فهو نقطة التقاء، مختلف القوى السياسية، وفي مقدّمها حزب الكتائب..

ومن هذه الزاوية بالذات، تحوّلت الزيارة الكتائبية لجنوب لبنان، ولمنطقة لا تبتعد سوى أمتار قليلة عن «الخط الأزرق» الفاصل بين حدود لبنان الكبير، جنوباً، وشمال فلسطين (أو إسرائيل الحالية)، إلى مناسبة جمع، واقتراب، واندماج متقدّم في الحياة الوطنية، والتعايش القائم، والذي تغذيه الزيارة «بالدم الوفاقي»، ولا تنعكس سوى إيجاباً على عموم العلاقات السياسية..

وبصرف النظر عن قانون الإنتخاب، حيث يجنح الهوى الكتائبي إلى الدائرة الفردية، أو المشروع الأرثوذكسي، من ناحية روحيته، لا حيثيته التفصيلية، وبصرف النظر عن مشاركة حزب الله بالقتال في سوريا، أو الإنخراط بمشروع إقليمي، وبصرف النظر عن التباينات هنا وهناك.. فإن العناوين التي أرساها الرئيس الجميّل من الجنوب، تنطوي على اعتبارات، تتخطى الآتي، والمرحلي، والظرفي، وما شابه، إلى انفتاح أكبر، يخترق مرحلة من الحملات والتباينات الجذرية، مؤسساً مع حزب الله، مساراً جديداً، من الأخذ والرد، قد يكون الحزب محتاجاً إليه، أو غير محتاج، في وقت وضع القرار بالحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، على سكة تحديد الآليات، ورسم أطر البدء بالنقاش، ولو من دون أوهام مسبقة، حول نتائج خارقة للمألوف..

وللمناسبة، لم تعد الفتنة بين السنّة والشيعة، مسألة قابلة للإشتعال، هي تبتعد عن النار، وتقترب من «برودة» قابلة لأن تتحوّل إلى «حرارة وطنية»، قبل أي حساب آخر..

من الجنوب، بدأت الحرب، ومن الجنوب، يعود البلد إلى وفاقه. فالتجربة التاريخية هناك، تنطوي على دروس وطنية، وتاريخية، وحضارية، واستراتيجية..

ربحت الكتائب من خطاب الجميّل وأدائه، وربح حزب الله، وربح الجنوب، وربح لبنان: إنتساباً قوياً للإستقرار، ورهاناً جدّياً على عدم العودة إلى الحروب الداخلية. أما مسألة الرئاسة، فهي أمر آخر؟!