الجميل يُطلق معركة الانتخابات: التغيير بوجه سلطة التسوية
جردة من الأرقام والأسئلة وقمع الحريات والاستخفاف على أبواب الاستحقاق المفصليّ.. والمعارضة كلمة السر
لسنا مجموعة انتحاريين.. ونعوّل على الرأي العام المدني ولا نزال ننتظر موقف «القوات» تجاه التحالفات الانتخابية
الرؤية واضحة عند رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل. لا ضبابية في موقفه ولا مواربة. حزبه سيخوض معركة الانتخابات النيابية في مواجهة السلطة، وركيزة تحالفاته ستنطلق من التلاقي حول مشروع سياسي واحد يهدف إلى تغيير النهج السائد في إدارة الحكم في البلاد قبل الأشخاص.
المشروع السياسي الجامع بين المتحالفين، لا يمكنه أن يشمل فقط العناوين السياسية الكبرى ومدلولاتها الاستراتيجية التي كانت قوى الرابع عشر من آذار تحملها سابقاً، وكانت الكتائب جزءاً منها، بل عليه أن يُقارب العناوين التي تمسّ حياة اللبنانيين في عيشهم وكرامتهم، ويتصدّى لحال الاستخفاف و«الكذب» التي لم يشهد لها لبنان مثيلاً على مَرّ العقود، ويقف في وجه ظاهرة المسّ بجوهر وجود لبنان ملجأ الأحرار والمضطهدين، وحيث الحرية مقدّسة.
ما عاد مفهوماً له هذا التمادي في قمع الحريات، وفي الاعتداء على حرية الرأي وحق الاطلاع وحق المعرفة والثقافة التي لا علاقة لها بالدين والطائفة والأيديولوجيا. التمادي الذي لا يبدو أنه يقف عند حدّ، يبدأ بالادعاء على صحافيين وسياسيين ونشطاء وقادة رأي، وآخر المآثر حكم المحكمة العسكرية بحق الصحافية والباحثة حنين غدار بالحبس 6 أشهر، ولا ينتهي بمنع أفلام في لبنان تُعرض في مختلف الدول العربية. ويطالعك وزير الثقافة ببيان يخلط فيه بين الفيلم وآخر ومُخرج وآخر. إنه «شيء مخزٍ» في الأداء والتعاطي. إنها «رجعية» مخيفة. يسأل: هل استفاق المسؤولون اليوم أن ستيفن سبيلبرغ من أصل يهودي حتى يتم منع فيلمه «ذا بوست»؟ ماذا عن سيغموند فرويد وألبرت أينشتاين؟ هل نمنع موسيقى ريتشارد فاغنر لأن هتلر كان يُحبها… إلى أين نذهب بلبنان؟
برأيه أن منع فيلم «بيروت»، الذي يُسيء إلى سمعة لبنان ويُشوّه صورة بيروت، يؤكد نظرة الفيلم عن لبنان، وأنه كان يمكن الاعتراض عليه من خلال تقديم شكوى أو القيام بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي أو ما شابه. يستغرب كيف أن الحرص على بيروت لا يكون بعدم ترك النفايات في شوارعها ومنع أي انتهاك لكرامتها وكرامة البلد، وعدم ترك المظاهر العدائية والرجعية تتحكم بالبلاد! هذا ليس سوى نموذج لما ينتظرنا إذا نجحت السلطة الحاكمة في الانتخابات.
والرجعية هذه يصاحبها «استخفاف» و«كذب» على الناس، من قبل الحكومة والمسؤولين عن ملف النفايات. يَستخدِم الجميّل كلمة «كذب»، ويُكمل سريعاً بأنه يتحمّل مسؤولية ما يقول، ويتمنى أن يلاحقوه قضائياً. الوقاحة بالنسبة إليه هي خروج مجلس الوزراء، يوم أمس، بالتأكيد على توسيع مطمر «الكوستابرافا»، فيما كانوا وعدوا الناس بإقامة معامل فرز ومعالجة للنفايات، ويومها اتهمهم بالكذب. هو واثق من أنه لم يتم الاقتراب من مطمر «برج حمود» لأسباب انتخابية في المتن ليس إلا، ولكن بعد الانتخابات سيعودون إلى توسيع هذا المطمر!
يتحدث بالأرقام المتداولة: 75 مليار دولار قيمة الدين العام، 5 مليارات دولار قيمة العجز السنوي، 140 في المئة نسبة الدين في مقابل الناتج المحلي (لافتاً إلى أن اليونان – حين انهارت – كانت نسبة دَيْنها 120 في المئة مقابل ناتجها المحلي)، فوائد مرتفعة للبنوك، ضرائب وأزمة أقساط مدرسية، وزيادة لموظفي العام ذابت مع ارتفاع غلاء المعيشة، وانعكست سلباً على موظفي القطاع الخاص وأفقرت كثيرين. كلها عوامل تشي بأننا أمام انهيار اقتصادي، وتأتي وزارة الداخلية لتتخذ قراراً بتغيير لوحات السيّارات، وكأن هناك أسباباً موجبة لهذه الخطوة!
سلسلة «الاستخفاف» تطول عند سامي الجميّل، منها الدراسة الموكلة إلى «ماكينزي» لإعداد رؤية اقتصادية للبنان. يتوقف هنا ليسأل ما هو دور المستشارين في وزارة الاقتصاد؟ وأين الكفاءات اللبنانية التي تدير كبريات الشركات والمؤسسات والتي هي على استعداد لأن تساهم مجاناً في هكذا دراسة؟ ويتابع: أصلاً البنك الدولي وصندوق النقد يقدمان تلك الدراسات بلا مقابل. ووزير الكتائب آلان الحكيم، حين كان في وزارة الاقتصاد، أعدّ «رؤية اقتصادية للبنان» من خلال الوزارة، وبلا أي كلفة.
تلك النماذج تدل على الهدر والفساد والقصور في الرؤية والنهج الخاطئ، ولكن ما لم يعد مقبولاً بكل المعايير، وصول الرشوة الانتخابية، قبل ثلاثة أشهر من الاستحقاق الانتخابي، إلى حد إقرار قانون عفو عام، بحيث تتم المساواة بين المجرم والإرهابي والمغتصب والمزوّر وتاجر المخدرات، وبين المتعاطي والمسجون بسبب شيك من دون رصيد، وتتم المساواة بين الشاب والعجوز، وبين المريض والمعافى. ما قد يجري يشكل جريمة بحق البلاد، نظراً لغياب الدوافع الفعلية والأسباب والأسس والضوابط. فشمل الجميع بين محكومين وموقوفين بالعفو العام لأغراض انتخابية يعتبر انهياراً أخلاقياً كبيراً، فيما المطلوب تسريع المحاكمات، حيث أن التباطؤ فيها يشكل 70 في المئة من مشكلة اكتظاظ السجون التي يتلطى وراءها السياسيون.
والحديث يطول ويطول. وحين يُسأل عن مرسوم الأقدمية، يأتيك الجواب سريعاً لا لبس فيه: هي مشكلة سياسية وليست دستورية، تصفية حسابات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وقصة «الأنا… ومين بيكسّر مين». مضى نحو شهر والبلاد غارقة في خلاف على المرسوم فيما المسألة تحل بجواب على سؤال: هل تنتج عنه كلفة أو لا تنتج؟
ما كانت ثلة من الصحافيين تتوق إليه هو الغوص في التحالفات الانتخابية ما دمنا في زمن الانتخابات، غير أن الجميّل كان يدرك جيداً ما يريد إيصاله من رسائل لمن يعنيهم الأمر: «معركتنا في مواجهة السلطة. نحن لن نُغيّر. لسنا مع ربع معركة أو نصف معركة. من هو مُقتنع أهلاً وسهلاً به».
حين سئل عن التحالف مع القوات؟ كان جوابه: «القوات» التي دخلت التسوية أبدت خلال المرحلة الماضية عدم رضاها عما كان يجري. هم فتحوا معنا خطاً. ولكن لا نزال ننتظر موقفهم النهائي. الإشارات التي تصلنا متناقضة، منها إشارات أنها تريد أن تواجه، ومنها إشارات أنها تسعى لترتيب العلاقات مع أطراف السلطة. لا يمكنني أن أحكم قبل أن تحدّد موقفها. الأكيد بالنسبة للجميّل أن الحلفاء سيكونون من معارضي التسوية، ولا يمكن أن يكون هناك تحالف بين مَن هو رافض للتسوية، ومَن هو متمسّك بالتركيبة الحالية. لا يبدو له أن إحياء تحالف قوى «14 آذار» ممكن. فأطراف منها شاركت في التسوية وسلّمت البلد لـ«حزب الله».
أين السعودية؟ لست أنا من يُجيب. حين كانت المملكة «ماشية بالتسوية» نحن كنا ضد هذه التسوية. ما هو حاسم به أنه يمدّ يده للعمل مع مَن يتفق معه على مشروع سياسي مختلف في النهج.
يخوض الجميّل المعركة وسط اقتناع بأن الانتخابات ستحصل في موعدها، وأن لا خطر يدعو لتأجيلها. ليست معطيات مؤكدة لديه لكنه لا يرى أسباباً موجبة تطيح بها.
يريد أن يقول أن حزب الكتائب ليس مجموعة انتحاريين ولا استسلاميين، بل هم عمليون مهنيون، وبرهنوا على ذلك من خلال أدائهم. يعوّل على المجتمع المدني الذي يفضل أن يسميه «الرأي العام»، المنضوي إما في أحزاب أو جمعيات غير حكومية، أو جمعيات شبابية أو نشطاء بصورة عامة، حيث سيكون هناك نوع من الشراكة مع مَن يتقارب معهم في السياسة، إذ لا بد من إيجاد مشروع واحد يجمع، وحد أدنى من الانسجام بين بعضهم البعض. يُؤكّد أن الكتائب سوف تشارك إما ترشيحاً أو دعماً بالاقتراع في كل الدوائر، من الجنوب إلى الشمال والبقاع والجبل وبيروت حيث لديها شركاء وأصدقاء.
«التغيير» هو عنوان المعركة. وهذا «الرأي العام» هو الذي يستطيع أن يخلق التغيير. هؤلاء هم الأكثرية الصامتة. إن عبّروا عن رأيهم نستطيع أن نغيّر، وأن أحجموا فإنهم يقدمون فرصة ذهبية للسلطة الحاكمة وبطاقة عودة. هو التحدي الذي من غرائب الأمور أن يكون من يوصفوا باليمين اللبناني «حراس الهيكل – العهد» على الدوام يحملون اليوم لواء المعارضة، لواء محاربة السلطة التي كانت على الدوام مهمة الآخرين، وكأن المواقع قد تبدّلت.. وربما فعلاً هي تبدّلت!