Site icon IMLebanon

الجميّل: تشريع الضرورة استغناء عن الرئاسة

لحزب الكتائب لاءان ونعم واحدة: لا للتشريع في مجلس النواب قبل انتخاب رئيس الجمهورية، لا لطاولة حوار وطني تتجاوز جدول اعمالها الى ما لا يدخل في اختصاصها او يتدخل في صلاحيات سواها، نعم لالتئام مجلس الوزراء في كل حين

اختبر الرئيس امين الجميل، ابان عهده، تعطيل مؤسسة دستورية كاد يتسبب في انتقال العدوى الى مؤسسات دستورية اخرى. عندما حيل دون اجتماع حكومة الرئيس رشيد كرامي في قصر بعبدا منذ مطلع عام 1986، إبتكرت فكرة المراسيم الجوالة بين الوزراء تفادياً لتعطيل دورة الحياة العامة.

ساهم توقيع وزراء تلك الحكومة المراسيم المتنقلة في ما بينهم، الى توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في استمرار دوران نشاط مجلس النواب الذي لم ينقطع عن الاجتماع في «قصر منصور»، واستمرار الجميل وكرامي، كل على حدة وان عن بعد، في ممارسة صلاحياته الدستورية.

على ان الرئيس السابق للجمهورية لا يرى سبباً لربط سابقة المراسيم الجوالة بفكرة تشريع الضرورة بغية تسيير شؤون الدولة والناس: «لا مبرر للتشابه بينهما، خصوصا أن احكام الدستور تفصل بين احدهما والآخر. في عهدي كانت ثمة ضغوط شبه عسكرية تمنع التواصل والاجتماع. مع ذلك لم ينقطع التواصل، وكذلك تأمين مصالح الناس. تشريع الضرورة أمر مختلف تماماً، وهو يشكل مخالفة للمادتين 74 و75 من الدستور، بينما مارسنا المراسيم الجوالة تبعاً لاحكام الدستور ووقعناها جميعا بدءاً برئيس الجمهورية».

في معرض تمسكه برفض مشاركة نواب الحزب في جلسة تشريع الضرورة، يقول الجميل: «بموجب الدستور، في ظل غياب رئيس للجمهورية، يعتبر مجلس النواب هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية. كل تشريع في غياب الرئيس غير دستوري، وكل تساهل حيال تشريع الضرورة الذي هو مفهوم مطاط يؤدي الى تسخيف الفراغ، وامرار اي قرار كأن موقع رئاسة الجمهورية بات في الامكان الاستغناء عنه. لنتذكر ان القانون الوحيد الذي أقرّ في ظل تشريع الضرورة هو تعديل قانون السير.

عندما يعلق الاستحقاق الى اجل غير مسمى، يعني ان الدولة اللبنانية مارقة

فهل يندرج فعلاً في هذا المفهوم؟ البعض يتحدث عن اعباء مالية تترتب على الدولة اللبنانية والتزامات وعقود وقروض دولية. صحيح. بمقدار ما هذه مهمة، يقتضي ان تحض النواب على انتخاب رئيس الجمهورية اولاً، ومن ثم تصريف شؤون اللبنانيين وتحقيق المصلحة العامة. اي تصرّف سوى ذلك يعني ترسيخ شريعة الغاب والخروج عن الدستور والمنطق والقانون، ومن ثم خراب البلد. اي حجة يجب ان تصب في خانة دفع النواب الى انتخاب رئيس الجمهورية».

لا يجاري الجميل مرونة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية باستعدادهما المشاركة في جلسة عامة للبرلمان في مقابل ادراج بندي استعادة الجنسية وقانون الانتخاب، الا انه يعتقد ان «ليس ثمة ما يبرر مخالفة الدستور. عندما يعلق الاستحقاق الرئاسي الى اجل غير مسمى، فهذا يعني ان الدولة اللبنانية صارت دولة مارقة. نحن على تواصل مع الخارج ونعرف مدى عدم صدقية مؤسساتنا لديه. تتعاطى الدول معنا من منطلق العاطفة والحرص على مساعدة لبنان ومد يد العون اليه، بينما يخشون في الواقع جدياً على مستقبل لبنان فيما لو بقيت مؤسساتنا معلقة على هذا النحو. كيف لدولة ان تستقر وتحظى باحترام الدول الاخرى وتثبت موقعها في المحافل الدولية، عندما تكون سدة الرئاسة شاغرة. لا رأس للدولة ومجلس الوزراء معطل فيما مجلس النواب مقفل منذ اكثر من سنة».

يضيف: «ربما البعض يعتبر مشروع سلسلة الرتب والرواتب اهم انسانياً ووظيفياً من مشروع استعادة الجنسية، كونه اكثر الحاحاً فيما المشروع الآخر في وسعه ان ينتظر شهرا او اثنين. اما قانون الانتخاب فأخشى ما اخشاه ان يكون حجة لتأجيل انتخابات الرئاسة الى ما شاء الله».

لكن قياس مقاطعة مجلس النواب لا يصح على اجتماعات مجلس الوزراء التي يصر الجميل على ضرورة المثابرة على عقدها: «بالتأكيد نعم لعقد مجلس الوزراء جلساته لأن لا مادة دستورية تمنع اجتماعه، لا بل ينص الدستور على اضطلاع مجلس الوزراء بدوره وتفعيله في غياب رئيس الجمهورية، وهو مسؤول عن تسيير يوميات الدولة واداراتها خوفا من الشغور الشامل. موقف الحزب ليس فانتازيا ولا يمثل تصلبا، بل ينبع من الحرص الشديد على مصلحة الدولة، كما ان الضغط الذي يمارس في سبيل تشريع الضرورة يقتضي ان يضاعف في المنحى الحقيقي والسليم والدستوري، وهو التوجه الى مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية اولا».

لكن الجميّل ينفي ان يكون حزب الكتائب «انسحب من طاولة الحوار. ما لا يمكن القبول به هو الانتقال بالنقاش من الحكومة الى طاولة الحوار، وخصوصا في قضايا مكانها الفعلي هو مجلس الوزراء وحده. لست في صدد تحديد وظيفة طاولة الحوار وقد حددها رئيس مجلس النواب، الا ان ليس لها ان تنوب عن الحكومة في ملفاتها بما في ذلك ما شهدناه (جلسة الحوار امس) بالبحث في ملف النفايات ومكباتها. لم نستقل من طاولة الحوار، ولسنا في صدد قرار كهذا، لكننا نعود اليها عندما يصبح جدول اعمالها ومناقشاتها منسجمة مع منطلقات الحوار الوطني التي يتقدمها انهاء الشغور الرئاسي وانتخاب الرئيس. اما ما هو سوى ذلك او لا يمت الى الحوار بصلة، فلن نكون بين الجالسين الى الطاولة عندئذ. كل ما يجري ليس سوى تحايل على انتخاب الرئيس، ومماطلة للمضي في تعطيل هذا الاستحقاق. في بعض الدول حضور جلسات مجلس النواب الزامي، والنائب يتقاضى راتبا من اجل ادائه وظيفته في البرلمان. هنا ثمة نواب لا يحضرون ويبررون اسباب التغيب المتعمد ويقولون ان لا انتخاب لرئيس بلا توافق مسبق. وهو ما يمكن عدّه هرطقة وتجاوزا لتقاليدنا البرلمانية والديموقراطية التي لم تعرف على مر تاريخنا تعطيل جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية. لم نعرف في تاريخنا كتلة نيابية امتنعت عن حضور جلسة الانتخاب».