IMLebanon

الجميِّل متفائل بوقف قانون الضرائب: إنتفاضة المؤسّسات على «دولة الغابة»

    الكتائب تنتقد واقعية الحريري السياسية وتتّهم 17 وزيراً بالإيمان بإزدواجية السلاح

    «حزب الله» يحكم البلد في المسائل السيادية والحساب يوم الإنتخابات النيابية التي ستحصل.. وإلَّا

إصدار المجلس الدستوري قراره بوقف تنفيذ قانون الضرائب هي انتفاضة للمؤسسات على دولة الغابة- دولة المزرعة. هكذا ينظر إليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي نجح في جمع عشرة تواقيع للطعن بالقانون الذي اقره مجلس النواب ووقعه رئيس الجمهورية بحيث أصبح نافذاً قبل أيام بعد نشره في الجريدة الرسمية بملحق خاص. بالنسبة إليه، يشكل القرار إعادة إحياء للنهج المؤسساتي وتحملها لمسؤولياتها. ويعطي الأمل من جديد بالآليات الدستورية والمؤسساتية . ما جرى سواء على مستوى تقديم قانون الطعن أو مستوى قرار المجلس الدستوري خير دليل على أن هناك من يقاوم بمنطق المؤسسات في معركة حماية الدولة.

وقفة مؤسسة بأهمية المجلس الدستوري تكمن في أنها تجسد منطقاً يتصدى للمنطق السائد راهناً بأن التوافق بين الطبقة الحاكمة يحل محل القانون والدستور. فالدستور هو المرجع، وكل توافق لا بد من أن يكون تحت سقف الدستور لا خارجه. وسأل الجميل: هل يكفي التوافق؟ ماذا إذا توافقوا على الباطل أو ضد مصلحة البلد؟ ويعطي الجميل في هذا الإطار أمثلة عدة: هل التوافق على موضوع البواخر كان قراراً صائباً في مصلحة البلد؟ هل التوافق على التمديد أو على تأجيل الانتخابات الفرعية هو لصالح النظام الديموقراطي؟

من هنا تكتسب خطوة تقديم الطعن وقرار وقف تنفيذ قانون الضرائب الأهمية لأنها جاءت بمثابة نقطة ضوء في النفق المظلم الذي تعيشه البلاد. فالانجاز الأول كان في جمع التواقيع العشرة، حيث كان هناك تواصل مع النواب الذين استجاب بعضهم. والانجاز الثاني كان بتعليق المجلس الدستوري بالإجماع تنفيذ القانون . أما الرهان المقبل، فيبقى على القرار النهائي الذي سيصدر في 18 أيلول. الطعن يستند إلى مخالفات دستورية واضحة: أولها، التصويت برفع الأيدي بدلاً من المناداة، وثانيها، الازدواجية الضريبية، وثالثها، تخصيص الضريبة لهدف معين. كلها أسباب ونقاط متماسكة تدفعه إلى التفاؤل برد القانون.

الجميل لا يستغرب حملة التشويش التي بدأت لإظهار أن الطعن هدفه حماية المصارف. يقول في هذا الإطار: نحن صوتنا على البند الضريبي الذي له علاقة بالمصارف. موقفنا من الإزدواجية الضريبية هو أنه مخالف لمبدأ دستوري، وهو يجعل المواطن يدفع نفس الضريبة مرتين، لكنه لا يعني أننا ضد الضريبة على البنوك. ويضيف: نحن صوتنا ضد الضرائب التي تؤخذ من جيوب المواطنين، والتي أصابت مختلف شرائح المجتمع، في وقت كنا نطالب بفرض ضريبة على الأملاك البحرية، وعلى قطاعات لا تمس المواطن مباشرة. لا جواب عنده عن ماهية الأسباب التي حدت برئيس الجمهورية إلى توقيع القانون على الرغم من أنه كان مقتنعا بالثغرات التي تضمنها القانون وهو دعا إلى حوار إقتصادي في هذا السياق.

قانون الضرائب الذي أُقر من دون دراسة تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساته على وضع المؤسسات الخاصة ومعدلات البطالة ليس سوى نموذج عن مستوى الأداء المتدني وقلة الكفاءة التي تتحكم بالطبقة السياسية مصحوبة بلا أخلاقية في العمل العام ، والتي هي إحدى أزمتين يحيقان اليوم بلبنان. قلة الكفاءة التي تؤول إلى خطوات غير مدروسة وتجعل من الناس حقل تجارب وتتعاطى مع الملفات بخفة مطلقة.

أما الأزمة- المشكلة الأخرى، فهي الأزمة السيادية الناجمة عن تخاذل السلطة نتيجة تسليمها قرار الدولة إلى خارج إطار المؤسسات الدستورية التي تصون الكيان والوطن. والتسليم هنا يحصل لمصلحة «حزب الله» الذي برأيه أنه يحكم البلد في ما المسائل السيادية، فيما تحكم سلطة فاسدة غير كفوءة في الملفات اليومية.

والمسألة السيادية تدفعه إلى التساؤل: أين كانت الدولة اللبنانية حين كان جيشها يقاتل ويخوض معركة جرود رأس بعلبك والقاع؟ وكيف تسمح السلطة السياسية لأحد غيرها من أن يقرر عنها متى توقف المعركة، ومن أن يفاوض عنها؟ لكنه رغم كل محاولات التشويه الجارية، فإنه على اقتناع تام بأن الجيش اللبناني حقق انتصاراً كبيراً وخاض معركة استثنائية تخطيطاً وتنفيذاً على الأرض، وكان انتصاره الشامل والكامل مضموناً ولا لبس فيه، لكن السلطة السياسية ارتكبت أكبر جريمة بحقه وحجمت انتصاره حين طلبت منه وقف المعركة، ولا بد تالياً من محاسبة المسؤولين الذين اتخذوا تلك القرارات السياسية بطلب من «حزب الله».

صوته الخافت اليوم في المطالبة بالمحاسبة على ما جرى في الجرود سببه احترامه لحزن عائلات الشهداء الذين لم يدفنوا بعد أحباءهم. ولكن حين تنتهي الإجراءات والمراسم سوف يكون لـ«الكتائب» موقف أخر، وسوف يتم فتح الحساب مع السلطة السياسية.

ولا غرابة أن يبدي رئيس «الكتائب» مرارة على الحال التي وصلت إليه البلاد منذ انتفاضة الاستقلال في الـ2005، ولا غرابة أن يسأل لماذا إستشهد كل أولئك الناس؟ لماذا استشهد بيار الجميل وأنطوان غانم وغيرهما من شهداء» ثورة الارز»؟ ألم يمت هؤلاء من أجل أن يُقرّر الشعب اللبناني مصيره ومصير أرضه وأولاده والأجيال الطالعة؟

على ماذا يراهن سامي الجميل في كل حركته وإصراره، وهو الذي بات حزبه وحيداً خارج جنة السلطة وحتى جنة التحالفات القائمة؟ ببساطة يجيبك: أكبر فخر أن تكون «الكتائب» اليوم خارج الحكومة، خارج الذل الذي تعيشه الدولة اللبنانية. كان للكتائب في الحكومة السلامية 3 وزراء، ولو كنا نريد أن نبقى في السلطة لما كنا استقلنا احتجاجاً على الأداء السيء للحكومة آنذاك، ورفضاً لآن نكون شركاء في الصفقات والفساد.

أما الرهان، فهو على «الناس وعلى الشباب وعلى اللبنانيين، ولولاهم لكنت ذهبت إلى البيت»، يقول الجميل. اليوم تشكّل «الكتائب» الصوت الحر. ومعيارها مصلحة المواطن، فلا حسابات سياسية خارج مشروع السيادة والنهوض بالبلد على أيدي الفئة الشبابية التي هي مستقبل البلاد.

وماذا عن الحلفاء؟ هم الذين يلتقي معهم على المشروع ذاته الذي حملته 14 آذار. نحن نلتقي ونناقش. مع اللواء أشرف ريفي وغيره. ما نعمل عليه هو خلق أرضية مشتركة للقوى التي تعمل على التغيير والمحافظة على سيادة لبنان واستقلاله وتقديم المنطق الوطني والسيادي على المنطق المذهبي.

هو يدعو من خرج عن الثوابت الوطنية الى الرجوع إليها، والاقلاع عن التلطي وراء مفهوم «الواقعية السياسية» الذي هو مرادف للاستسلام والانبطاح السياسي، وهو لتبرير التقلبات السياسية. لا يتحمل لبنان اليوم الموقف الرمادي، لا يمكن أن يكونوا «إجر بالبور وإجر بالفلاحة»، لا يمكن أن يكونوا جزءاً من السلطة التنفيذية ومن ثم يتم تجاوزهم، ولا أن يكونوا شركاء في سلطة تعمل على ضرب السيادة والاستقلال.

في رأيه أن في الحكومة الحريرية اليوم، 17 وزيراً يؤمنون بازدواجية السلاح في لبنان. واقع لا يحسد عليه الحريري الذي يترك الجميل للناس أن تحكم عليه ما إذا كانت ممارسته لـ«الواقعية السياسية» هي استسلام أم لا؟

أما الحساب، فهو في يوم الانتخابات النيابية التي يرى أنها ستحصل. وحين نقول له: قد لا تحصل؟ يرد: خليهم ما يعملوا الانتخابات، ولنرَ ماذا سيحصل، فليأخذوا العبر من الدول التي انتفضت شعوبها مطالبة بالديموقراطية!