لم يأت موقف النائب سامي الجميل من إعلان القوات اللبنانية تبني ترشيح النائب ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بأي جديد، فالكتائب تريد رئيساً توافقياً. إلا أنها قد تكون المرة الأولى التي يُحدد فيها الجميل خيارات حزبه بشكل واضح، بعيداً عن منطق الهروب من الخيارات عبر التلطي خلف «الحياد». جمع رئيس حزب الكتائب عناصر الحزب، ليقول أمامهم: «لن ننتخب مرشحاً يحمل مشروع 8 آذار»
«خلصنا ولدنات، فالشعب تعب». يجب أن يفهم الجميع أنه «حرام لبنان واللبنانيين». بات لبنان أشبه بـ«عصفورية حيث كل واحد يُرشح خصمه». كان بإمكان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الاكتفاء بهذا القدر من الكلام، لاختصار التطورات السياسية و«التمثيليات» الرئاسية التي بات يمتهنها حليفاه في قوى الرابع عشر من آذار، تيار المستقبل الذي رشح بطريقة غير رسمية النائب سليمان فرنجية، والقوات اللبنانية التي تبنى رئيسها سمير جعجع ترشيح النائب ميشال عون.
بيد أن الجميل حاول «أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس ومع نضالنا وتاريخنا وكل ما نمثله. لهذا نتعاطى مع هذه المسائل غير المنطقية بقليل من المنطق». فخصص مؤتمراً صحافياً بحضور معظم قيادات الحزب وكوادره وعدد من المواطنين «المتحمسين»، للرد على «الاتفاق الرئاسي» بين جعجع وعون وتبرير رفضه لانتخاب الأخير رئيساً للجمهورية، على قاعدة: «لن ننتخب مرشحاً يحمل مشروع 8 آذار إن كان أصيلاً أو صنع في تايوان».
السادسة إلا ربعاً في بكفيا، والعديد من الأشخاص كانوا لا يزالون محتجزين في سياراتهم بالقرب من مقرّ سامي الجميل. العناصر الأمنيون بلباسهم المدني، حاولوا تنظيم السير ومنع السيارات من التقدم أكثر باتجاه «المقر»: «ما بقا في محلات». حُرمت بكفيا من السكينة، فانتقلت عجقة المدينة إليها: «نحن دعينا الحزبيين ولكن الكتائبيين يتحمسون»، يقول أحد المقربين من الجميل الابن. الطريق إلى المكان قُطعت قبل أمتار قليلة، من يريد أن يلقى رئيس الحزب، عليه التوجه سيراً على الأقدام. في «عرينه»، يشعر الجميل بالأمان فتتدنى «المظاهر الأمنية». هنا لا وجود لبذلات كاكية وسلاح حربي، كالذي ظهر في مدينة ميشال سليمان الرياضية في جبيل خلال احتفال تسليم البطاقات الحزبية. الاكتفاء بعنصر أمني يتولى تفتيش القادمين. الجميع في القاعة إلا «مشاكسين»: الوزير سجعان قزي، الذي دخل القاعة قبل إلقاء الجميل كلمته بقليل، والنائب نديم الجميل الذي أجبر ابن عمه على السكوت نتيجة التصفيق الذي ناله، فلاقاه سامي بالـ«أهلاً أهلاً». أما «عمو» جوزف أبو خليل، فاهتمام خاص بوصوله، يتناسب مع طبيعته الهادئة. سوء التنظيم وعدم التنسيق بين أعداد المدعوين والأماكن المتاحة داخل القاعة، أجبرا العديد من الحزبيين على متابعة الحدث في الخارج وقوفاً. أما المقربون من الجميل: لارا سعادة، باتريك ريشا، بشير مراد وعدد من العاملين في مكتبه، فاصطفوا على «شرفة» الطبقة الثانية: «نحنا كنا حاجزين VIP»، يُعلق أحدهم ساخراً. قبيل دخول الجميل، يُلاحظ مرافقه الخاص عدم تنسيق الأعلام على المسرح، آمراً بأن تُطفأ الأجهزة الخلوية. «مشهدية» معراب، لجهة الدعوات والبث المباشر، التي أراد الكتائبيون إعادة عرضها أتت خجولة. يُبرر أحد الكتائبيين تأجيل إعلان الموقف من الأربعاء إلى أمس بـ«أننا لا نقلل من أهمية لقاء معراب وهو يستحق مقاربة جدية وجواباً واضحاً من قبلنا أمام الرأي العام».
القاعة مليئة بكتائبيين يؤمنون أنه هنا «حيث لا يجرؤ الآخرون»، يقف الجميل ليقول «للمرة الأولى كلاماً واضحاً وهو حدد بشكل صريح موقف الحزب». تقف إحدى السيدات صارخة «كبير وبتضلّك كبير»، يبتسم الجميل. أما النائب فادي الهبر، فيرفع منسوب الدعم عبر التأكيد أن الرئاسة «بتلبقلك إلك». الأوراق أمام الجميل كثيرة، ووضع عليها ملاحظاته بالأصفر والزهري. يطول حديثه، فيتبادل عضوا المكتب السياسي سليم الصايغ وسيرج داغر النظرات بأنه «لا يجب أن يطيل الحديث أكثر من ذلك».
يعي حزب الكتائب أن التحالف العوني ــ القواتي، سيرتد سلباً بالدرجة الأولى عليه، وخاصة في الانتخابات النيابية وإعادة توزيع الحصص في الدولة. نقاشات كثيرة شهدت عليها أروقة البيت المركزي في الصيفي ومقرّ «الشيخ سامي» في بكفيا، إلى أن صدر القرار يوم أمس بـ«الانتحار السياسي» والإصرار على التغريد بعيداً عما أطلقوا عليه «لقاء المصلحة» في معراب. لم يكن باستطاعة النائب الشاب، الذي حُشر في بيت اليك، القيام بأفضل من ذلك للتفلت من الشرك الذي نصبه جعجع. الموافقة على ترشيح عون، تعني القبول بدور هامشي في «مسرحية الكبار»، وهو الأمر الذي لن يرضي غرور الكتائبيين. في الوقت نفسه، لا يُمكن للحزب الذي يحاول في كل مناسبة الإيحاء بلعبه دوراً جامعاً بين المسيحيين أن يُجاهر بمعارضة لقاء الغريمين التاريخيين، وخصوصاً أن الإحصاءات تُظهر الشعبية العالية التي حظيت بها «مشهدية» معراب في الشارع المسيحي. أما خيار إعادة إحياء ترشيح «الرئيس الأعلى» السابق لحزب الكتائب أمين الجميل، فقد سقط بفعل النقاش الحزبي حتى لا يتحول الرجل إلى مادة للتلاعب في البازار السياسي. انطلاقاً من هنا، طرح الجميل سلسلة من الأسئلة «لأننا نريد أن نعرف ما هي رؤية ميشال عون. من الغريب أنه أصبح غريباً في هذا البلد أننا نريد انتخاب سياسي لرئيس الجمهورية»، تقول مصادر في حزب الكتائب. هذه الأسئلة نفسها، أي: ما هو الموقف من سياسة لبنان الخارجية، وخاصة في الملف السوري؟ في ما يتعلق بسيادة لبنان، لماذا حُذفت جملة الأخذ في عين الاعتبار إمكانات الدولة ومعادلات الدولة الإقليمية والدولية؟ في عملية ضبط الحدود، هل حزب الله هو جزء من المسلحين؟ «نحن طرحناها على النائب سليمان فرنجية، إذا حصلنا على جواب مقنع من أي من الطرفين نسير به». أما عن عدم مُعاملة فرنجية بمِثل معاملة عون، لجهة المعارضة الشرسة لترشيحه، فالسبب هو أن «ترشيح فرنجية لم يترافق مع هذا السيناريو». إذاً، جُلّ ما يطلبه الكتائب هو «أجوبة واضحة لمواضيع أساسية طرحت بطريقة عمومية».
انتهى الكلام، فنزل الجميل عن المسرح «إلى أن تطفأ الكاميرات، وهو سيعود ليتحدث إليكم بعيداً عن الإعلام»، هكذا يطمئن أحد الشباب. يُلملم الجميل أوراقه، على وقع محاولات إحدى الصحافيات سؤاله: «سيقولون إنكم ما زلتم عالقين في الأمس، ما ردكم؟». ابتسامة، ولا تعليق.