لسبب أجهله تراءى لي في لحظة تخلّ أن الجنرال ميشال عون سيفاجئ اللبنانيّين عموماً خلال مؤتمره الصحافي بما كانوا يتوقّعون عكسه، وستكون المفاجأة هديّة ثمينة تغيّر وجه الوضع في لبنان، وتساهم إلى حدّ كبير في تغيير واقع الحال، وواقع الدولة والمؤسسات وواقع القلق من زنار الارهاب والفراغ.
ووجدتني أتابع الجنرال وهو يلملم المطالب والشروط والتعقيدات المعهودة، وحتى الطموحات، ليضعها جانباً…
ويكمل مؤكّداً أنه لا بدّ لنا كلبنانيّين ومسؤولين من السعي معاً، والتوصّل معاً، إلى حلول واقعيّة سليمة للتوافق والتفاهم على كل ما من شأنه إخراج البلد الصغير من كرنتينا المحن والشلل والفراغات…
لكن المفاجأة انقلبت مفاجعة. والتصوّرات المبهجة والمفرحة لم تدم طويلاً، لينكشف الواقع أسوأ بكثير مما يمكن تصوّره.
فما أطل به رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” في مؤتمره الطويل العريض، يكاد يكون خلاصة منقّحة لكل ما سبق من تصريحات وبيانات ومؤتمرات وخطب في مناسبات شتى.
لا جديد في المؤتمر وبنوده وشروطه ومطالبه سوى الدخول الانتقائي على اتفاق الطائف الذي تحوّل دستوراً، يكاد الجنرال في تجاذباته وحملاته المستمرة أن يطيحه، أو يعرّضه على الأقل لهزّة تشلّه بدوره، وفي ظروف تكاد تحوّل لبنان بلداً بلا دولة، بلا مؤسّسات، بلا دستور، بلا مسؤولين، بلا أفق واضح، بلا رئيس للجمهورية يشكّل وجوده صمام أمان للنظام والبلد.
يطرح عون كل الاسئلة السياسية والوطنيّة والإصلاحيّة والوفاقيّة، محمّلاً “الآخرين” كامل المسؤولية، موجهاً إلى مجهولين كل التهم بالتقصير والإهمال والفساد وعدم القيام بالواجب، كأنه كان هو ووزراؤه وتياره ونوابه وأنصاره في إجازة طويلة على شواطئ جزر المالديف.
ولسنوات. بل كأنه لا يزال، وهم معه في غربة طويلة، فيما البلد يتآكله الفساد من جهة والإهمال من جهة أخرى، والفراغ من كل الجهات.
إن حصة تكتل الجنرال عون تعتبر حصة أسدين على صعيد الوزارات الحلوبات، كما على مستوى الوظائف في الدرجة الأولى، ناهيك بعدد النواب واللجان التي يمخرون عبابها.
فما هي “الفضائل” التي ميّزته، ولا تزال حتى اللحظة تميّزه هو والوزراء والنواب والموظفون؟
سواء أكانت الحقائب في بحر الكهرباء ونهر الاتصالات، أم في قصر بسترس مقر وزارة الخارجية حيث المربط الجديد لخيل صهره جبران باسيل. أما تناهت إلى سمعه أقوال الناس عن، وعن، وعن؟…
أن مؤتمره الصحافي الذي أراده غطاءً مبهرجاً كشف أكثر مما أخفى، وأكد أنه لا يزال عند شعاره الخالد: أنا أو لا أحد… ولا بلد!