IMLebanon

الجنرال يرفض بشكل حازم التمديد للقادة الأمنيين عودة الحديث عن «مؤتمر تأسيسي» وعن «تغيير النظام»

في 14 آذار 1989، أعلن رئيس الحكومة آنذاك العماد ميشال عون «حرب التحرير» لإخراج الجيش السوري من لبنان، لكنّه لم يحظ بدعم إقليمي ودَولي سوى من عدد قليل من الدول، مثل فرنسا على الصعيد المَعنوي، ومثل العراق على الصعيد المَيداني حيث أرسل نظام بغداد السلاح والذخائر إلى ما كان يُعرف بإسم «المنطقة الشرقيّة». وفي محاولة لوقف الحرب، توسّطت الدول العربيّة بغطاء دولي لإيجاد تسوية تُنقذ اللبنانيّين من «حمّام الدمّ» الذي تحوّل عبثياً ومن «الهجرة المفتوحة» إلى الخارج، فكان «إتفاق الطائف» الذي وُقّع في 30 أيلول 1989، إنطلاقاً من موازين القوى التي كانت سائدة في حينه، والتي لم تكن لصالح مسيحيّي لبنان. وبعد أقلّ من عام على ذلك، وتحديداً في 2 آب 1990، إجتاح الجيش العراقي بقيادة الرئيس صدام حسين في حينه الكويت، لكن سُرعان ما جرى تشكيل «تحالف دولي» واسع لإخراجه بالقوّة منها. وقد دخل النظام السوري على الخط مُرسلاً نحو 35000 جندي من «الوحدات الخاصة» للمشاركة في الهجوم المُضاد الذي نفّذته «قوّات التحالف» ، وذلك في مُقابل حصوله على «ضوء أخضر» بتنفيذ عمليّة حسم ميداني في لبنان، فكان هجوم 13 تشرين الأوّل 1990 الذي جرى خلال فترة تحضير الحشد العسكري لإخراج الجيش العراقي من الكويت حيث تمّ تحديداً من 17 كانون الثاني حتى 28 شباط 1991. وقد أطلقت بعده يد سوريا في لبنان، بموافقة وتغطية سعوديّة أميركية. وقد دفع مسيحيّو لبنان ثمناً باهظاً لهذه التحوّلات الإقليميّة والدَولية، فتراجع دورهم في لبنان إلى أدنى مستوى على الإطلاق منذ إستقلال لبنان في العام 1943.

واليوم، في ظلّ التبدّل الجذري على مستوى كل من التحالفات الداخليّة والإقليميّة والتموضع السياسي والنفوذ الإقليمي والدولي، تندفع الأوضاع السياسيّة المتأزّمة في لبنان من جديد نحو حائط مسدود، نتيجة الفشل في إنتخاب رئيس للجمهوريّة، والفشل في الإتفاق على قانون إنتخابي، والفشل في تحريك عجلة الدولة بشكل طبيعي. فتسلّل الشلل إلى أكثر من مرفق، وصار التمديد في المراكز، ولا سيّما الأمنيّة منها، هو الغالب. كما صار إرجاء الحسم وبَت المواضيع المُهمّة، هو السياسة المُتبعة. وإذا كان أركان الدولة قد تعايشوا مع حالتي الشغور الرئاسي، والتمديد لمجلس النوّاب، فإنّ مسألة إحالة كبار القادة الأمنيّين إلى التقاعد تباعاً في خلال الأشهر القليلة المُقبلة، تلقى معارضة من بعض القوى السياسيّة الفاعلة، وفي طليعتها «التيّار الوطني الحرّ».

وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة، إنّ العماد ميشال عون يرفض بشكل حازم التمديد للقادة الأمنيّين، ولن يسمح بمرور مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، أيّا تكن الصيغة المطروحة لذلك. وهو يستعدّ لتصعيد سياسي كبير، قد يصل إلى مرحلة مُقاطعة جلسات الحكومة، وربّما الإستقالة منها إذا دعت الحاجة، لمنع باقي القوى السياسيّة من تبنّي خيار «إرجاء تسريح» القادة الأمنيّين. وأضافت الأوساط أنّ «الجنرال» يعلم أنّ عدم التمديد للعماد قهوجي في منصبه، يَعني تلقائياً إبعاد أحد المُرشّحين الرئيسيّين والجديّين – ولوّ غير المُعلنين، لرئاسة الجمهورية. كما أنّ إحالة العماد قهوجي إلى التقاعد، يعني فتح الباب واسعاً أمام وصول أحد العمداء الذين يدعهم «الجنرال» إلى منصب قيادة الجيش، وفي طليعتهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. وبحسب الأوساط السياسيّة، إنّ العماد عون يعتبر أنّ إحالة العماد قهوجي إلى التقاعد، من دون التوصّل إلى إتفاق على الشخصيّة العسكريّة التي ستخلفه في منصب قيادة الجيش، سيرفع من وتيرة الضغط السياسي وسيدفع الأمور إلى «مؤتمر تأسسيسي» وإلى إحتمال إحداث «تغيير جديد للنظام». ونبّهت هذه الأوساط أنّ خطّة العماد عون تتضمّن مخاطر كبيرة، لأنّ أيّ إسقاط للحكومة من الداخل، في ظلّ الشغور الرئاسي وغياب الإنتاجيّة عن مجلس النوّاب، يعني تلقائياً تعميم الشلل على كامل مرافق الدولة. ومن شأن إضافة الفشل في تعيين مسؤوليّين أمنيّين جُدد أو أقلّه التمديد للمسؤولين الحاليّين، يعني كشف الوضع الأمني للبلاد، حتى لوّ تولّى القيادة في المناصب الشاغرة القادة الأعلى رتبة، علماً أنّ تبنّي الخيار الأخير سيضرب التوازنات الطائفيّة والمذهبيّة ويُضعضع الإمرة العسكريّة.

ونبّهت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ من شأن تعمّد العماد عون دفع الأمور إلى عنق الزجاجة، من دون توفّر الدعم اللازم لخطوته، في تكرار للخطأ الذي حصل في حقبة التسعينات «أيّام حرب التحرير وإتفاق الطائف»، لن يعود بالخير على المسيحيّين مُجدداً. ورأت أنّ الوقت غير مناسب لمؤتمر تأسيسي ولا الظروف مؤاتيّة لإدخال تعديلات على إتفاق الطائف، حيث أنّ المطلوب في فترة التحوّلات الجذريّة التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط ككل، الحفاظ على الوضع القائم دون محاولة تغييره، لأنّ رياح التغييرات قد لا تأتي بما تشتهيه سُفن «الجنرال». وأضافت هذه الأوساط أنّ الإنقسام المسيحي الداخلي يَعني ذهابهم بوضع ضعيف إلى أيّ مؤتمر تأسيسي أو ما شابه، حيث أنّ الخلافات كبيرة بينهم على مواضيع بالغة الأهمية، مثل سلاح «حزب الله» والنظرة إلى الدولة، والعلاقات مع كل من سوريا وإيران ودول الخليج، والتموضع السياسي الداخلي والإقليمي. كما أنّ الصراع في المنطقة هو اليوم على أشدّه، ما يعني أنّ المطالبة بنزع سلطات تنفيذيّة من أي جهة أو طائفة أو مذهب، وإعادتها إلى المسيحيّين، هو غير قابل للتحقّق في الظرف الراهن. ولفتت إلى أنّ موقف المرجعيّة المسيحيّة الأعلى في لبنان، أيّ البطريركيّة المارونيّة الرافض تماماً لأيّ «مؤتمر تأسيسي» إنطلاقاً من الخشيّة من الإتفاق على «المُثالثة» بدلاً من «المناصفة» الحالية بغضّ النظر عن سوء تطبيقها، وإلى أنّ موقف المرجعيّة الإسلامية السنّية المُتمثّلة بدار الفتوى هو غير بعيد عن موقف المرجعيّة المسيحيّة، إنطلاقاً من الحرص على ما كسبته الطائفة السنّية من سلطات عبر بنود إتفاق الطائف قبل 26 سنة. وذكّرت الأوساط السياسيّة بما حدث في العام 2008 عندما حاول نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك، عصام أبو جمرا، المطالبة بسلطات فعليّة لنائب المجلس، فجاءته الردود عنيفة من القيادات السنّية بمختلف إتجاهاتها السياسية والتي أجمعت على رفض أيّ مسّ بالسلطات التي يملكها رئيس الحكومة منذ ما بعد إتفاق الطائف. وأضافت الأوساط السياسيّة إلى أنّ موقف الطائفة الدرزيّة غير متحمّس لأيّ «مؤتمر تأسيسي»، لأنّ الوعود بمنح الدروز منصب رئاسة مجلس شيوخ بعد إستحداثه، موجود في إتفاق الطائف، وبالتالي لا مجال لأنّ يوافقوا على إخراجهم من المُعادلة السياسية الداخلية عن طريق فرض المثالثة، في مقابل منصب فخري مضى على منحهم إيّاه ربع قرن مع وقف التنفيذ!

وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة باستبعاد قيام أيّ طرف سياسي بمجاراة العماد عون في تهديداته بقلب الطاولة على الجميع، في حال السير بمسألة إرجاء تسريح القادة الأمنيّين. ولفت إلى أنّ حتى أقرب حلفاء «الجنرال»، وفي طليعتهم «حزب الله»، يرفضون المساس بالإستقرار القائم، وسيعملون ما في وسعهم في الأشهر القليلة المُقبلة، لمعالجة هذه القضيّة إستباقاً لأيّ تحركات تصعيدية من قبل العماد عون، إنطلاقاً من معرفتهم أنّ تفجير الوضع السياسي الداخلي في ظل هذه الظروف المحلّية والإقليميّة، لن يُوصل إلى «مؤتمر سياسي» يحلّ الأزمات العالقة، بل سيُعرّض كل الإستقرار القائم للخطر، وسيرفع من مُستوى الأزمة السياسية التي تتمّ معالجتها حتى تاريخه عبر «مُسكّنات التأجيل»، إنطلاقاً من مبدأ أنّ السياسية هي في النهاية «فن المُمكن».