تستيقظ جمهورية «الفراغ »أو «التمديد»كل يوم على معضلة جديدة تهدّد الإستقرار السياسي «الهش»- او على الأقل ما تبقى منه ولعل رئاسة الوزراء هي الملجأ الأخير الذي يحرص الجميع على إبقائه «حيّا بطريقة التنفس» الصناعي !
فبعد المطبّات التي تجاوزتها الحكومة مؤخرا على خلفية كلمة رئيسها تمام سلام في قمة شرم الشيخ و«السجال» الحادّ الذي حصل مع وزراء حزب الله حولها ها هو موضوع التمديد للقادة الأمنيين يُطرح من جديد مهددّا بفرط عقد الحكومة عبر تلويح العماد ميشال عون بسحب وزرائه من الحكومة في حال حصول التمديد طارحا اسم صهره العميد شامل روكز قائد فوج المغاوير مرشحّا جديّا لهذا المنصب حيث طغى هذا الموضوع في الآونة الأخيرة على أكثر تحركات ولقاءات الجنرال وتحديدا موضوع رئاسة الجمهورية التي أدرك أنها ليست متوفرة في المدى المنظور لعدم نضج الظروف الإقليمية، بل على العكس بسبب تعقدّها بعد الأحداث الأخيرة في اليمن وموقف كل من السعودية وإيران ومن يمثلهم في لبنان- ما جعل النقاش في ملف الرئاسة «ترفٌ» في غير محله.
يدرك الجنرال عون أنه في ظل انعدام فرص إقرار مشروع قانون رفع سن التقاعد للعسكريين بفعل الخلافات السياسية والتحفظات الأمنية يبدو أن الخيار الأكثر ترجيحاً في الفترة المقبلة يتمثل بانسحاب تأجيل «التسريح» على كبار القادة الأمنيين أي التمديد لهم بموجب قرار من وزير الدفاع سمير مقبل مستندا على صلاحياته المنصوص عنها في قانون الدفاع لكن هذا السيناريو يصطدم برفض العماد ميشال عون الذي يهدد بسحب وزرائه من الحكومة في حال التمديد للقادة الأمنيين ما يرفع منسوب خطر«الإنهيار» الحكومي خاصة أن الحكومة هي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لا تزال فاعلة وتؤمن الحفاظ على الاستقرار الهشّ في لبنان.
المتابعون لموقف الجنرال في الجهة المقابلة يرون أن المعركة التي يخوضها التيار الوطني ضد التمديد لها خصوصية قطع الطريق أمام قائد الجيش جان قهوجي للوصول إلى سدّة الرئاسة في حال سحب إسمه من التداول ليكون العماد قهوجي عندها مرشح تسوية مقبول لدى الفرقاء في الداخل، وغير مرفوض في الوقت نفسه – من الأطراف الخارجية وبهذا يقطع عون الطريق على ترشح العماد قهوجي ويضمن وجود صهره على رأس قيادة الجيش – في حال كتبت له الرئاسة يعني حسبما يقول المتابعون: «يضرب الجنرال عصفورين بحجر واحد»!
يدرك الجنرال بأن «حسابات الحقل ليست دائما على حساب البيدر»، وتحديدا عندما يطرح الجنرال شيئا لأن الأطراف السياسية تعاني غالبا من «عناد» وتشبث الجنرال بأمور كثيرة ما يفتح باب «المساومة» عاليا خاصة وان «الطلب غالي وليس رخيصا »: موقع رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. ما يجعل مهمة الجنرال عون شاقة كما تقول مصادر من 14 آذار إنه لم يلمس ترحيبا كبيرا من قبل حلفائه بهذا الموضوح وتحديدا من حزب الله الذي يلتزم الصمت خلاف عادته مع كل ما يطرحه الجنرال والقبول به بدون تفكير لإنه برأي الحزب لا يزال الوقت مُتاحا قبل حسم خيار التمديد نهاية ايلول المقبل- ولحينها برأيه يخلق الله ما لا تعلمون – وهو لا يريد أن يعطي الجنرال وعدا قد لا تسمح له الظروف السياسية الوفاء به وهو ما يعزّز موقف بعض أطراف 14 آذار الرافضين لطرح الجنرال بتعيين القادة الأمنيين، بحجة أن الأولوية لإنتخاب رئيس للجمهورية الذي عادة ما يكون له رأي بموضوع القادة العسكريين وأنه ليس من المنطق تعيين قائد جديد للجيش قبل إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتتابع مصادر من 14 آذار أنه ليس من مصلحة أحد وتحديدا الحزب المجازفة بأي إهتزاز أو تعديل بقيادة الجيش خاصة في ظل المعارك الحالية أو المرتقبة التي يخوضها الجيش اللبناني على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا ضد الإرهابيين والتي حقق بها لغاية اليوم إنتصارات هامة بالتنسيق مع حزب الله – ما جعل العماد قهوجي رجلا «موثوقا » لديه ولا يجوز «المغامرة» بالعلاقة معه تحديدا في هذه الظروف الأمنية الحسّاسة التي يمرّ بها لبنان أما «عرّاب التسويات» الصعبة الرئيس نبيه بري فإن موقفه واضح بأن تَجرّع كأس التمديد هو أفضل ألف مرة من «مُرّ» الفراغ الذي لا يمكن المغامرة به خاصة على رأس المؤسسة العسكرية ما يجعل التمديد لقائد الجيش جان قهوجي أهون الأمريّن حاليا -وهو رأي حزب الله مبدئيا .
أما أخصام العماد عون يرون في طرح إسم شامل روكز – صهر الجنرال لقيادة الجيش مناسبة «للمقايضة» الصعبة حول ترشحه لرئاسة الجمهورية والتنازل لصالح مرشح تسوية يكون مقبولا إقليميا وخارجيا وهو ما لا يتوفر بالعماد عون الذي طرح معادلة أخرى في المقابل وهي موافقته على تعيين رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان المحسوب على تيار المستقبل مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وهو ما لا تراه هذه الأوساط كافيا للمساومة مع الجنرال ومنحه قيادة الجيش، كما أنه في حال عدم التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي قبل 23 أيلول المقبل، وعدم تعيين بديل عنه في مجلس الوزراء، تتابع المصادر فإن الضابط المرشّح لخلافته هو الأكبر سنّاً ورتبة وأقدمية، وفي هذه الحال سيكون العميد عماد القعقور.
مرة جديدة يقف العماد عون وحيدا في مسألة التمديد للعماد قهوجي، في ظل شبه إجماع لغاية اليوم على أن الظروف غير ملائمة لتعيينات جديدة تلتزم توافقات غير متوفرة حاليا عازيا اسبابه باعتماد التعيين وفق الاصول، واحترام التراتبية في المؤسسة العسكرية، وحفظ حق الضباط الكفوئين والمؤهلين للقيادة، وصولا الى رفع سقف المواجهة الى مداها الأعلى، أي التلويح بسحب وزرائه من الحكومة وهو أمر لن يقبل به حليفه حزب الله الذي يجهد بإبقاء الإستقرار الحكومي قائما وهو يخوض حربا شرسة على الحدود ضد الإرهابيين كما يشكل العماد قهوجي برأي المدافعين عن وجوده من فريقي 8 و14 آذار نقطة جمع والتقاء بين مختلف المكونات السياسية حيث حافظ على المؤسسة العسكرية بوصفها آخر عنصر وحدة ولقاء بين المكونات الوطنية اللبنانية وقد تحمّل المسؤولية في الوقت الذي ترك السياسيون الجيش لقدره ومصيره، وتصدّى «للجزر» الأمنية المنتشرة في البقاع وطرابلس وعرسال، وتقدّم للمواجهة في مواقع حسّاسة مثل قرار إنهاء ظاهرة أحمد الأسير بعدما كادت تشعل فتنة وكارثة.
لا يشكّ أحد بمناقبية وكفاءة ووطنية العميد شامل روكز وشجاعته تقول الاوساط، كما أنه أيضا في الجيش ضباط اكفّاء ويتحلون بصفة القيادة، لكنَّ الوضع استثنائي ومصيري، يشكّل فيه جان قهوجي نقطة إجماع، خاصة أنه يتمتع بمواصفات تتلاءم مع هذا الوضع، وتلك مُسلّمة عند مختلف القوى السياسية التي تُلقي عليه عبء المسؤولية من جديد، وترى في بقائه مساحة أمان ضد الإرهابيين والأهم من ذلك يحوز على رضى كل الأطراف وهو الأمر الذي قد لا يتوفر لدى العميد روكز الذي يكمن «الفيتو» الأول عليه بأنه .. صهر الجنرال !ش