Site icon IMLebanon

الجنرال يشحن آخر «خراطيشه»: الطائف ملعون!

كان النائب أحمد فتفت أول من تبرّع في الردّ، أو بالأحرى، في تصويب «قنبلة» وليد جنبلاط الصوتية، حين دعا الى مراجعة وثيقة الوفاق الوطني من دون المسّ بجوهرها. تقصّد جنبلاط تضمين تغريدته «التمرّدية» التوضيح اللازم مما يقصده، كي لا تُفهم نياته فهماً سيئاً.

يدرك جنبلاط حساسية هذه المسألة وما يمكن أن تثيره من نقزة، لا بل من اعتراض صارخ في «تيار المستقبل» الذي لا يزال حتى اللحظة يشكل حائط دعم متيناً يحول دون سقوط الاتفاق بالضربة القاضية.

في قرارة أنفسهم، يعرف الكل أنّ زمان الوثيقة التي وضعت حداً للحرب الأهلية، قد انتهى، وها هي تنتظر في غرفة العناية الفائقة مَن يعلن وفاتها بعدما أثبتت «عقمها»، أنتجت شغوراً بات يضرب الجمهورية من أعماقها.. ولكن تفاوت المصالح من تشريح «الطائف» وإعادة صياغة وريثه، يمنع حتى اللحظة من عبور هذه المرحلة.

يتمسك «الحريريون»، لا بل يخوضون معارك شرسة للحفاظ على ما تبقى من الاتفاق، حتى لو صمد منه العنوان فقط، لأنّ أي نظام بديل سيأخذ منهم جزءاً من المكتسبات التي منحهم إياها «الطائف». ولهذا يرجمون أي كلام من قريب أو بعيد قد يأتي على ذكر المؤتمر التأسيسي، ويعيدون النقاش الى البداية، وثيقة الوفاق الوطني.

بناءً على هذا الواقع، يبدو أنّ ميشال عون قرر أخذ خصومه الى حيث يخشون، خاصرتهم الرخوة، إلى الحلبة التي يكرهون الوقوف عليها. هناك سيخوض آخر جولات الصراع..

في هذه الأيام، يعدّ الجنرال الساعات والدقائق التي تفصله عن لحظة الحسم. ينتظر جواباً نهائياً كي يبني على الشيء مقتضاه. فإما تكون بداية التفاهم، وإما إعلان الحرب.

تقول الرواية إنّ «تيار المستقبل»، على لسان «شيخه» سعد الحريري، أبلغ الجنرال عدم رفضه السير بالتعيينات الأمنية كأحد الخيارات المتاحة أمامه، وفق ما يريد جنرال الرابية. لا بل ذهبوا أكثر من ذلك حين أبدوا عدم ممانعتهم بمنح تأييدهم للعميد شامل روكز ليكون قائداً للجيش خلفاً للعماد جان قهوجي.

ولكن حتى الآن، لا تزال هذه المرونة «أولية»، غير مقرونة بأي اتفاق جدي أو موقف رسمي، لا بل يشوبها الحذر والمماطلة والخشية من الانقلاب عليها في اللحظات الأخيرة. والتجارب السابقة خير دليل على مرارتها. ولهذا يطالب الجنرال بموقف حاسم: أبيض أو أسود.

وفق المعلومات فإنّ الحريري أبلغ رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» عبر موفديه، أنّ الكلمة النهائية ستكون على طاولته فور عودته من واشنطن، حيث سيُصار الى مدّه بالكملة الفصل: إما موافقة رسمية على تعيين روكز في رأس الهرم العسكري مقابل تعيين ضابط آخر على رأس مؤسسة قوى الأمن الداخلي.. وإما العودة إلى نقطة الصفر.

هكذا سيحاول الجنرال أن يضع يده على موقف «تيار المستقبل»، فيتصافحان تفاهماً، أو سيكون بينهما حديث آخر. سبق له أن كرر تحذيراته من أنّه سيقلب الطاولة بوجه الجميع إذا كُسِرت كلمته، لكنّ الرهانات لا تزال قائمة بأنّ الرجل سيلين مرة جديدة أمام العاصفة وسيتطبّع بما ستفرضه عليه الظروف حتى لو لم تكن لمصلحته.

سبق أن فعل ذلك مع استحقاق الرئاسة في الدوحة، ثم بلع التمديد لمجلس النواب مرة واثنتين.. وقد يكرّر الأمر اليوم مع قيادة الجيش ومن ثم الرئاسة.

لكن عارفي ميشال عون يقولون كلاماً آخر. يؤكدون أنّه لم يعُد بإمكانه بلع الموسى. السكوت بعد اليوم سيكون قاتلاً. عملياً، هو يستعدّ للوقوف على آخر الطريق، لا منافذ من بعدها. فإما يقطف ما زرعه في كل مسيرته العسكرية والسياسية وإما يُحيلها الى التاريخ.

سيحاول الرجل استخدام كل الأسلحة المتاحة أمامه. لا خوف بعد الآن من الخسارة ما دامت الذخيرة ستفقد صلاحيتها إذا لم تستخدم في هذه المعركة.

بنظر هؤلاء، فإنّ «تيار المستقبل» أمام تحدي إعادة صياغة مفهومه للشراكة قبل أن يقول كلمته من أي استحقاق منتظر، سواء أكان في التعيينات أو في الرئاسة، أو له علاقة بقانون الانتخابات. وكلها محطات ستختبر مقاربة «الزرق» لشبكة علاقته مع الآخرين.

في محيط ميشال عون هناك الكثير من الكلام – العتب حول كيفية تعاطي كل الأفرقاء معه: إذا كان رئيس أكبر تكتل مسيحيّ حليف «حزب السلاح»، غير قادر على إقامة التوازن مع شركائه، فأيّ من مسيحيي الغد سيسمح له بهذا التوازن؟

ولهذا فإنّ الجنرال يستعدّ لإطلاق آخر «خراطيشه»، وهي التصويب على «الطائف» بكل عوراته. سيتجاوز الرجل كل الخطوط الحمراء التي رسمت من تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، حيث يُبدي انفتاحاً على الكثير من الأفكار التغييرية للنظام، سواء أكانت مستوردة من تطوّرات العراق أم من التجارب اللبنانية. سيضرب «التابو» الذي يقول إن الطائف هو خلاصة الأنبياء وآخر الدساتير…

هذا لا يعني أبداً أنّ «المستقبليين» سيرتجفون قصباً فور سماع «الرعيد العوني»، وقد لا يحركون ساكناً، ولكن ما بيد الجنرال حيلة، سوى خرق الجمود وتحريك المياه.. في زمن التغييرات الكبرى.