كيف لا يشتبك المسلمون مع المسلمين في لبنان، المسيحيون مع المسيحيين، المسلمون مع المسيحيين، حين يبلغ الاشتباك في المنطقة حدود الغرنيكا. ابعد من قول توماس هوبز «الكل ذئاب الكل». لاحظوا كيف تتحطم دول، وانظمة، ومجتمعات، المنطقة…
حروب القبائل، والطوائف، بل وحروب المقابر ما دمنا ننبش رفات موتانا ونقاتل بعضنا البعض بعظامهم. هل تسمعون صيحات الاستغاثة من القبور: نتوسل اليكم اتركونا وشأننا في العالم الاخر، عالمنا الاخر…
ليس دفاعا عن طبقة سياسية رثة، وملطخة بكل اشكال الفساد والزبائنية، فضلا عن المكيافيلية والدونكيشوتية، لا يمكن للبنان الا ان يكون جزءا من هذه الغرنيكا. ثمة شعار فولكلوري «النأي بالنفس»، النأي بالنفس عن ماذا؟ عن سوريا، كما لو اننا لسنا موجودين، ومنذ بداية البدايات، والى نهاية النهايات، في داخل سوريا، وكما لو ان السوريين ليسوا موجودين، وقد ازدادوا كما ونوعا، في الداخل اللبناني…
هل يمكن لنا ان نتصور ان قصة الغرام بين الجنرال والحكيم ظهرت هكذا فجأة، دون ان يكون هناك هاجس ما لدى المسيحيين، هاجس وهائل: اين نحن في الحرب؟ واين نحن في التسوية ما دام التهامس بالفديرالية، او بالكونفديرالية، بات علنيا،وما دامت لعبة الخرائط، وهي حتما لعبة الدومينو، لن تبقى عند حدود؟..
بدقة اصغى العماد عون والدكتور سمير جعجع الى ما قاله رئيس وكالة الاستخبارات المركزية جون رينان ورئيس الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه حول الحدود التي لن تعود كما كانت وحول الشرق الاوسط الذي لن يعود كما كان…
المسألة ليست في قانون انتخاب عدد المشاريع المطروحة في شأنه بعدد الطوائف، ولا في استعادة لبنانيين قدامى ومهاجرين جنسيتهم الاصلية، بل في الوجود المسيحي وفي البقاء المسيحي، بعدما ذهب المسلمون بعيدا في صراع المحاور، كما لو ان المسيحيين، ومنذ اتفاق الطائف الذي انحدر به اهله من الغاء الطائفية الى تكريس المذهبية، ليسوا موجودين لا على الخارطة السياسية و لا على الخارطة الانتخابية…
في مأتم الياس سكاف في زحلة قيلت امام الملأ اكبر مدينة مسيحية في لبنان، بل في الشرق، يتحكم بها المسلمون. عودوا الى ارقام انتخابات 2009، ولاحظوا من تحكم بصناديق الاقتراع، ومن حطم الزعامة في المدينة، وان كنا ضد اي زعامة تقليدية في بلد يتحسر فيه الناس على الزعامات التقليدية بعدما خبرت الزعامات المحدثة او المستحدثة..
مضحك القول ان المعركة هي بين الرئيس نبيه بري وميشال عون. الدكتور سمير جعجع لاعب تكتيكي، فهل عاد اليه حلم الفديرالية وهو يلاحظ كيف ان المنطقة تتمزق، عسكريا او سياسيا، ارباً ارباً. اما الشيخ سامي الجميل، وبالموقف الدستوري الطوباوي، فيبحث عن مكان الى جانب الاثنين او بين الاثنين…
في عين التينة، ليس هناك من حديث رمادي عن الجنرال. ما قيل لنا ننقله بالحرف «قطعا لا ننسى موقفه النبيل والمشرّف ابان حرب عام 2006»، و«نحن حلفاء ولسنا في خط ثان او خط بديل»، و»نحن لا نمارس السياسة بطريقة السوق السوداء»، و«يا ايها الجنرال العزيز نسّق شخصيا مع الرئيس بري ولا تدع بعض رجالك، بعض وزرائك، يلعبون».
ومن الكلام ايضا «حين ينحر لبنان فأين هي الميثاقية؟ و«هل المقاومة التي حررت لبنان من الاحتلال قامت على الميثاقية؟». ثمة قناعة في عين التينة بأن بعض احصنة الجنرال انما هم…احصنة طروادة. ثمة تفاصيل كثيرة، وثمة عبارة قاطعة «الرئيس بري يكن كل الود وكل الاحترام للعماد عون، وفي السياسة لا امزجة ولا كيمياء شخصية، ولطالما تقاطعنا، ونتقاطع، استراتيجيا، وهذا الاساس».
ويسألون لماذا ذهب الجنرال بعيدا والى الحد الذي جعل اعلان النوايا الذي اخفى الكثير من النوايا يتخطى ورقة التفاهم، ولقد ظهر انها ابعد بكثير من التفاهم. كان التلاحم وبما تعنيه الكلمة…
النصيحة ان يغيّر العماد عون من ادائه التكتيكي. لا بد انه سمع ما قاله ميخائيل بوغدانوف للسفير اللبناني في موسكو. الكلام قيل ليصل. تحديدا ليصل الى من يعنيهم الامر. عندما لا يكون هناك حظ للجنرال في رئاسة الجمهورية، لماذا يقطع الطريق على العميد شامل روكز في قيادة الجيش؟
وسؤال آخر الى الجنرال: الى اين تقودك هذه الطريق الان؟ وهل يخسر ميشال عون…ميشال عون؟
التشريع الى الشارع. هكذا يتردد الان. دائما فتش عن رئاسة الجمهورية في كل ما يقال وفي كل ما يحدث. من لا يدري ألا رئيس جمهورية للبنان قبل ان ينجلي الصراع بين السعودية وايران، بل وحتى بين اميركا وروسيا. لماذا، اذاً، اللعب مع الهباء؟
ويقال ان الصراع من اجل الوجود، وهو الوجود الحتمي لبقاء لبنان، لا يخاض بأحصنة طروادة. ثمة احصنة كثيرة وتليق باللحظة.تليق بالتاريخ ايضا. قيل للجنرال…