Site icon IMLebanon

السلطة تحاصر العدالة: تمييزٌ في «العفو العام» وفي المساعدات الاجتماعية!

 

 

الى متى التمييز و الغبن

 

حملت جلسةُ مجلس النواب الأخيرة في الأونيسكو تغييراتٍ حاسمةً في قضية العفو العام في جانبيها السياسي والتشريعي وسجّلت مفارقاتٍ لا يمكن فصلها عن «العفو» وتحديداً تشريع زراعة القنّب (الحشيشة) لأغراضٍ طبية، لأن هذا التشريع هو الخطوة المتكاملة مع ما تريده أحزاب السلطة من العفو العام وما سيتضمّنه من موادّ وكيف سيتمّ تنزيلُها لتتلاءم مع متطلبات الأحزاب الحاكمة، سواء كانت ساعية لإعفاء المطلوبين بالقتل والسلب وتجارة المخدِّرات، أو للصفح عن العملاء في الكيان الصهيوني، بينما «تفنّـن» بعض القابعين على الكراسي في التمييز ضدّ أهالي الموقوفين الإسلاميين بحرمانهم من حقهم في تلقي المساعدات الحكومية للعائلات الأكثر فقراً.

 

إنقلاب ضدّ السنّة

 

في الجانب السياسي نفّذت أحزاب السلطة («حزب الله»، حركة أمل والتيار الوطني الحرّ) بدعم من رئاستي الجمهورية ومجلس النواب، انقلاباً أخرج تيار المستقبل من معادلة التأثير في مصير قانون العفو العام على قاعدة معاقبة الرئيس سعد الحريري على استقالته تحت ضغط الثورة وضمان مصالح الحلف الحاكم المتناقض مع الحدّ الأدنى من المنطق والحقّ والعدالة، فقرّرت هذه القوى إسقاط صفة العجلة عن اقتراح القانون المقدّم من النائب ياسين جابر والمتفق عليه مع تيار المستقبل وتشكيل لجنة لإعادة درس الاقتراحات الواصلة للمجلس النيابي، وهذا يعني اتخاذ القرار في ضوء تشكيل حكومة اللون الواحد وإنهاء التعاون مع الحريري.

 

هذا المسار المستجدّ يعني حكماً إخراج الموقوفين الإسلاميين من دائرة الإفادة من العفو العام، لكن تحالف السلطة سيلجأ إلى تقديم رشاوى لأهل السنة عبر الدائرين في فلكه منهم، مثل أن يقترح النواب المنخرطون في دائرة «حزب الله»، مثل النواب عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وجهاد الصمد، إضافة إلى المنخرطين في «سرايا» الحزب، مثل الشيخ بلال شعبان وماهر حمود.. لوائح بموقوفين بات معلوماً أنها ستكون ورقة ابتزاز للسجناء وذويهم، في محاولةٍ للإيحاء بأن القانون لم يستثن المكوّن السنـّي ولم يعزل أحداً.

 

سيحظى المطلوبون بجرائم القتل والخطف والسلب والنهب وبتجارة المخدِّرات بكلّ الأسباب التخفيفية لجرائمهم، وسيُعطى العملاء وعائلاتهم في الكيان الصهيوني فرصة العودة وقد غُلست أيديهم من كلّ ما ارتكبوه من جرائم وموبقات، وسيبقى الإسلاميون محتجزين بدعاوى الإرهاب الذي لم يستطع أحد تعريفه بشكلٍ قطعي، وبقي لبوساً يُرمى على كلّ من عارض منظومة الممانعة منذ ما سمّي أحداث الضنية حتى انسحاب آخر «داعشي» بالباصات المكيّفة التابعة لـ«حزب الله».

 

مسار القمع والتوريط

 

هذا المسار التراكمي في فرض الظلم على فئة بعينها كان هدفه ولا يزال إلصاق صبغة الإرهاب بأهل السنة في لبنان ضمن حربٍ واسعة تعرّضوا لها على مستوى المنطقة، وكانت لها إسقاطاتها القضائية والقانونية، وكانت لها مفاعيلها الأمنية بحيث أصبحت الشبهة كافية للإدانة والصورة على هاتف كافية للوصم بالإرهاب والاعتقال بلا تحقيق ولا محاكمة يمكن أن يستمرّ شهوراً وسنوات، بعيداً عن كلّ معايير القانون والحق والعدالة، سواء لناحية أصول التحقيق وقواعد التوقيف ومـُدَد الاعتقال وليس انتهاءً بنزاهة الأحكام، مع خضوع الكثير من مفاصل القضاء العسكري خصوصاً لهيمنة «حزب الله»، وهذا لم يعد سراً.

 

الحرمان من المساعدات

 

ويبدو أن التمييز والظلم بحقّ هذه الفئة من اللبنانيين تورّثه الحكومات لبعضها، فإذا بحكومة الرئيس حسّان دياب «تتفنـّن» في سحق أهالي الموقوفين إذلالاً وقهراً، فخرجت ببدعة حرمانهم من المساعدات المالية المخصّصة للعائلات الأكثر فقراً، والتي يقوم الجيش اللبناني بتوزيعها بناءً على لوائح وزارة الشؤون ورئاسة مجلس الوزراء.

 

وقد توجه المحامي محمد صبلوح برسالة إلى رئيس الحكومة قال فيها: «اعتقد الناس أن تكليف مؤسّسة الجيش بهذه المهمّة سيقلّل من الظلم الذي لحق بهم سابقاً من توزيع مساعدات اجتماعية حسب الانتماء السياسي، وأن أصحاب الحاجة ستصلهم حقوقهم بدون تمييز، تارة عبر المدارس وتارة بسبب تقارير مخابرات الجيش التي تعرف تماما أماكن تواجد الفقراء والمستحقين.

 

لكن وردتنا معلومات عن قرار صادر عن مؤسّسة الجيش بمنع توزيع أي مساعدة مالية على عائلة فيها موقوف بتهمة الإرهاب (عبرا – طرابلس – …) أو فيها موقوف بتهمة المخدّرات، أما باقي الجرائم من سرقة واحتيال وغيرها فمسموح لها استلام المساعدات!».

 

وأوضح صبلوح: «لم أسمح لنفسي بإرسال كتابي هذا، إلا بعد التأكّد من الواقعة وتكرارها في طرابلس وصيدا واستفسرت من أصحاب العلاقة الذين تعرّضوا للإذلال أمام الناس وكأنّهم من العملاء، في حين أن العميل قد كرمته المحكمة العسكرية وأفرجت عنه».

 

أبعاد التمييز في المساعدات

 

لا شكّ أن هذا القرار مستغرب ومستهجن وهو يطعن في مصداقية كلّ ما تقوم به الحكومة ورئيسُها ويحمل أبعاداً شديدة السوء، أخطرُها:

 

– إن قرار حرمان عائلات سجناء وموقوفين من حقوقهم كمواطنين طبيعيين يخالف القاعدة الشرعية والقانونية أنه «لا تزر وازرةٌ وزر أخرى». فالمواطن مسؤول عما ارتكبه شخصياً ولا يمكن محاسبة أهله على جريمة ارتكبها.

 

– إن هذه الممارسات مستقاة من أنظمة الظلم والقمع التي تعتقل وتلاحق عائلاتٍ بكاملها لإجبار المطلوب على تسليم نفسه أو لابتزازه بأهله بعد اعتقاله، وهذا مخالف لكل عُرفٍ وقانون.

 

– يذكّرنا هذا الإجراء بالعقوبات الجماعية التي فرضها نظام حافظ ومن بعده بشار الأسد على أهالي مدينة حماة بعد تدميرها وقتل الآلاف من أهلها، فكان أن حرم النظام من تبقـّى منهم من العمل في كثير من وظائف الدولة الحكومية، سواء في الجيش أو سواه.

 

فهل أصبحنا اليوم نستقي من هذه النماذج ونضع جيشنا في مثل هذه الحدود النافرة من العلاقة السلبية مع الناس؟

 

لم يعد هناك أدنى شكّ بأننا مقبلون على حقبة سوداء، ليس فقط مالياً واقتصادياً، بل أيضاً على صعيد العدالة والحقوق الإنسانية.