IMLebanon

«الجنرال» وضاهر.. نعمة النسيان!

كما في كل شيء بالسياسة، وغير السياسة، حين تحضر المصلحة الشخصية لا بد أن «يزيح أحد من الدرب»، وعلى رأس القائمة المبادئ والقناعات. ليس ميشال عون وحده البراغماتي الى حدّ التفنّن في رسم الدهشة على وجوه خصومه وحتّى حلفائه. الجميع سبقه الى تقبيل وغَمْر «خالد ضاهر» آخر. إنها السياسة «يا أعزائي»..

لكن في حالة العونيين وخالد الضاهر يبدو الأمر فاقعاً. ماذا يمكن أن يضيف ابن عكار الى «رصيد» البرتقاليين الباحثين عن المزيد من المؤيّدين لـ «جنرالهم» للوصول الى سدّة الرئاسة؟

على الأرجح حين دخل بيار رفول الى دارة الضاهر لم يكن قد نجح بعد، مع الوفد العوني، في الكبس على زر «الإلغاء» لكافة محطات الصدام مع نائب عكار. الذاكرة تنضح بـ «الكوارث». لذلك المهمّة صعبة، لكن البراغماتية تفرض نفسها.

سيكون مستحبّاً في الرابية بعد أشهر على إعلان الضاهر علناً تفضيله لعون على فرنجية في الرئاسة، تناسي كل ما قاله الضاهر بحق عون والمؤسسة العسكرية والوحدة الوطنية وصولاً الى حدّ مجاهرته «لو كانت سوريا بحاجة لمقاتلين والله العظيم لكنت أول المقاتلين هناك…».

يسرد المعترضون على «الانفتاح» المستجدّ بين العونيين وضاهر، لائحة بمواقف وسلوكيات ضاهر خلال المرحلة السابقة:

هو الضاهر نفسه الذي تحدّث عن إبداعات عون باستغلاله بعض الشوائب في المؤسسة العسكرية ليصنع من نفسه «مدافعاً وهمياً عنها»، وبأن اللبنانيين يدركون حجم ادعاءاته وتزييفه للواقع. هو الذي بشّر «الجنرال» بأنه لن يكون وجهاً بارزاً في المجلس النيابي المقبل، بل سيكون بعد رحيل بشار الأسد «عميلاً متقاعداً ومعزولاً».

في مرحلة سابقة اعتبر الضاهر أن دنوّ سقوط النظام السوري أفقد عون توازنه فراح يحرّك الشارع تحت عناوين طائفية ومذهبية (مع العلم أنه ينادي اليوم بتحريك الشارع نفسه) قد توصل البلاد الى أتون من المواجهات فيما لو استمر في «فجوره السياسي» لتحقيق المكاسب.

توعّد يومها «لو أرادها عون شارعاً مقابل شارع، فلتكن ونحن لها». الواقعية السياسية تقود الى الاستنتاج البريء بأن «جماهير» الضاهر قد تزحف هذه المرة لتؤازر القواعد العونية والقواتية إذا ما قرّرت الرابية ومعراب إعطاء الضوء الآخر لتحريك الشارع!

سبق للضاهر أن تمنّى على عون لو «حرّك الشارع إثر إسقاط مروحية الرائد سامر حنا، ولو أنه اعترض ساعة واحدة على توقيف ثلاثة ضباط وعسكريين على خلفية احداث مار مخايل»، متّهماً إياه «بأنه حصان طروادة في تسويق المشاريع الإيرانية عبر تأمين جزء من الغطاء المسيحي لها لقاء وصوله الى قصر بعبدا».

النسيان أو التناسي نعمة فعلاً، فكيف إذا كان خالد الضاهر هو مَن يجب تناسي «ارتكاباته»؟. في قاموس ابن ببنين، كبرى بلدات عكار ما لم يقل عكسه حتى اليوم: إن 80% من شهداء الجيش هم من الطائفة السنية من عكار ويتم إرسالهم إلى أماكن القتال عمداً. على الأرجح لن يجد عونياً اليوم يذكّره بالنقيب بيار بشعلاني الذي استشهد في كمين من قبل مسلحين في عرسال في شباط 2013، ولا النقيب المغوار جورج أبو صعب الذي استشهد في اشتباكات عبرا في حزيران 2013، ولا الرائد الشهيد عباس جمعة الذي قُتل في مداهمة في الضاحية في أيلول 2012… وبثلة من الشهداء آخرهم الشهيد المعاون عامر حاتم.

خالد الضاهر هو من اتّهم «حزب الله» بالوقوف وراء تفجيرات الضاحية «لكي يشدّ عصب أبناء بلدنا من الطائفة الشيعية». إذاً، الحزب يفجّر أهله الشيعة لكي يجد مبرّراً لمحاربة السنّة! مخيّلة الضاهر الواسعة دفعته الى الجزم بأن الحزب هو مَن قتل الانتحاري قتيبة الصاطم ووضعه في سيارة مفخخة ومن ثمّ تفجيرها في حارة حريك!

برأي الضاهر، الذي لم يتراجع عن أقواله بعد، «ليس لدينا داعش». يصرّ على أن البعض يريدون اختراع «داعش» ونقطة على السطر.

لم يصحّح يوماً مقولته بأن مخابرات الجيش وعناصرها تُعامل الطائفة السنّية كمكسر عصا، وأن قائد الجيش العماد جان قهوجي فاشل، ومخابرات الجيش شبيحة ومرتبطة بالنظام السوري وتأتمر بمخططات «حزب الله»، مهدّداً سابقاً بأنه «إذا استمر اللعب بدمائنا في طرابلس أقسم أن ما حصل في الموصل سيحصل في لبنان، ولن نسمح لقهوجي بالوصول إلى الرئاسة». يكفي ما تلا حادثة الكويخات من حرب كونية شنّها الضاهر على المؤسسة العسكرية.. لكن نعمة النسيان أقوى.

يقول المعترضون إنّ خالد الضاهر كان مطلوباً للعدالة بتهمة مدّ «فتح الإسلام» بالسلاح، وإنّ مخابرات الجيش تملك ملفاً «دسماً» عن تورّطه بمدّ التنظيم بالسلاح عشيّة أحداث «شارع المئتين» في طرابلس»، ولاحقاً تغذية الأحقاد بين باب التبانة وجبل محسن، والتورّط في إرسال المسلّحين الى سوريا للقتال ضد النظام السوري. ومن التهم الموجّهة إليه تورّطه في مجزرة حلبا في 10 أيار 2008 وتحويل إفطار في بلدة عيات الشماليّة الى «نكبة»، هذا غير ماضيه بوصفه أحد رجال الاستخبارات السورية…

يدير العونيون ظهرهم للمرحلة السوداء التي ربطتهم بالضاهر. يقولون إن «كل تقارب مرحَّب به، وكل تنافر هو منبوذ من قبلنا. الانفتاح مطلوب في كل المراحل لمواجهة ما يجري حولنا من صراعات في المنطقة. وتحييد لبنان الفعلي يتمّ من خلال التماسك في جبهتنا الداخلية والتسامح مع الجميع».

لا أهداف رئاسية للقاء، يشدّد هؤلاء، «وها نحن نزور الرئيس نجيب ميقاتي أيضاً من ضمن سياسات الانفتاح، لأن الحقد يدفعنا الى الانزواء والتقوقع، وهذا ليس من شيمنا».