لا يُعدّ اختيار أيّ فرع من فروع الثانوية العامة أمراً سهلاً بالنسبة إلى التلاميذ وأهاليهم. منهم من يختار الفرع بناءً على ما يتيحه من خيارات جامعية أوسع، ومنهم من يهرب من فرع فيلجأ إلى آخر. وفي عدد من المدارس الخاصة أو الرسمية يُدفع التلميذ إلى الفرع المتاح بسبب عدم وجود غيره. وعدم افتتاح الفروع له أسبابه، مرة يكون لعدم توفر الأساتذة، ومرة ثانية بناءً على عدم قناعة مدير به. لكن ماذا نعرف عن أهمية كلّ فرع ودوره؟ نبدأ من الفروع العلمية.
قبل إقرار المناهج “المحدّثة” عام 1997، كانت أسماء الفروع العلمية لشهادة الثانوية العامة: فرع الرياضيات وفرع العلوم الاختبارية. اليوم أصبحت التسمية: العلوم العامة وعلوم الحياة والأرض. وتصنيف التلاميذ للوصول إلى هذه المرحلة يمرّ إلزامياً عبر الصف الثاني الثانوي بفرعَيْه أيضاً، الأدبي والعلمي.
طريق الثانوي المتعرّجة
يتم تصنيف التلاميذ بعد إنهاء الصف الأول ثانوي، والذي يُعدّ الأصعب في رحلتهم الدراسية. هذا المفترق المفاجئ يؤثر على المسار العام لحياة أيّ إنسان. إن قرّرت الإدارة مثلاً أنّ تلميذاً ما يجب أن يدخل إلى الصف الثاني ثانوي أدبي، فهذا يعني حرمانه بشكل تام من أيّ إمكانية لاستكمال تعليمه الجامعي في مسار علمي تطبيقي. والأمر نفسه ينطبق على غياب الصف الأدبي في بعض المدارس فيدخل الجميع إلى الصف العلمي، ما يضعهم تحت ضغط غير مبرّر لمواد لا تستهويهم أو لا يحبون دراستها. ويمكن أن نذكر هنا أنّ الصف الثاني ثانوي أدبي لم يعد موجوداً في عدد لا يستهان به من المدارس لعدم اقتناع الإدارات به.
ما بعد الصف الثاني ثانوي علمي، يُصنّف التلاميذ مرّة ثانية باتجاه صفّين: العلوم العامة وعلوم الحياة. يتمّ التصنيف بناءً على علامات المواد العلمية، الأمر الذي يدفع بعض الطلاب إلى “ترسيب” أنفسهم في مواد يمكنهم النجاح فيها، بهدف التأثير على مسار التصنيف.
العلوم من الداخل
بالعودة إلى الفرعين مدار البحث، هناك مادة أساسية في كلّ فرع. حولها ومعها مواد مكملة. في العلوم العامة تأخذ مادة الرياضيات حصة الأسد، بينما في علوم الحياة تأخذها مادة العلوم الطبيعية. هذه الأخيرة غائبة تماماً عن منهج فرع العلوم العامة فلا يدرسونها لا من قريب ولا من بعيد. أما الفيزياء فموجودة في الفرعين بتثقيل أكبر في العلوم العامة. كذلك الكيمياء مع عدد دروس أكبر في فرع علوم الحياة بتثقيل متساوٍ بين الفرعين.
أما المواد الأدبية فلا تقارب من منطق أهميتها، بل يسأل التلاميذ بشكل دائم: “لماذا ندرس اللغات ونحن في فرع علمي؟”. السؤال للوهلة الأولى يترك الشخص متفاجئاً بعدم معرفة هؤلاء بما يجري خارج أسوار المدرسة، إذ لا أهميّة للعلوم مع عدم القدرة على عرض الفكرة وهذا ما تؤمّنه اللغات. بالإضافة إلى تغييب كامل لأهميّة المواد الاجتماعية من تاريخ وجغرافيا وتربية على مستوى بناء المواطن. ففي العديد من المدارس الخاصة لا تُدرّس هذه المواد بشكل جدي إلّا في صفوف الشهادات. وزاد الإهمال في السّنتين الأخيرتين مع اعتمادها موادَّ اختيارية. وفي المدارس الرسمية لا يسمح الوقت والمنهج بتدريس حقيقي للمواد الاجتماعية، بالإضافة إلى “سطو” أساتذة المواد العلمية على حصص الاجتماعيات لاستخدامها في تدريس موادهم بسبب ضيق الوقت المخصّص لهم.
قبل الإلغاءات وبعدها
قبل الإلغاءات الأخيرة التي تكرّرت منذ بدء أزمة كورونا، التي طرأت على المنهج كان الوقت لا يكفي لاستكمال المطلوب في المواد العلمية الأساسية في هذين الفرعين. لطالما كان الأساتذة يحضرون التلاميذ في أيام العطل للتدريس أو إجراء الامتحانات توفيراً للوقت.
“لم يكن الوقت المخصّص لتدريس مادة العلوم الطبيعية كافياً” تقول منسّقة المادة في ثانوية رسمية. وتضيف: “قبل الإلغاءات، كانت الإدارات تخصص ساعة أسبوعية إضافية لهذه المادة (الدولة خصّصت 6 حصص أسبوعية)”. هذا الوقت الإضافي يساعد في التدريب على الكتابة وكيفية صياغة الإجابات. القفزة في مستوى المادة بين الصفين الثاني ثانوي علمي وعلوم الحياة كبيرة. ففي الصف الأول المسابقة لا تتجاوز مدتها السّاعة، بينما في الصف الثاني تصل إلى ثلاث ساعات.
الصف الثاني ثانوي أدبي لم يعد موجوداً في عدد لا يستهان به من المدارس
الأمر نفسه يحدث مع مادة الرياضيات في فرع العلوم العامة إذ “لا تكفي الحصص العشر أسبوعياً، فيضاف إليها حصة، مع تعليم خلال أيام العطل” كما يقول أستاذ مادة الرياضيات ناجي ياسين. ويضيف أنّ “مستوى المسابقات تدهور إذا ما قارنّا بين ما قبل عام 2020 واليوم”. ويلفت ياسين إلى أنّ مادة الرياضيات “تراكمية هرمية لا يمكن أن يصل فيها التلميذ إلى الصف الأخير من المرحلة الثانوية من دون المرور بكلّ المراحل السّابقة”.
المستوى الجامعي
بطبيعة الحال تتوجه أكثرية التلاميذ من فرعي العلوم العامة وعلوم الحياة نحو الاختصاصات العلمية التطبيقية. وكليّة العلوم هي المقصد الأول لهم “دون سبب حقيقي” يقول أحمد الطالب في السّنة الأولى. “بعدما أنهيت صف علوم الحياة وجدت نفسي هنا”، مصراً على فكرة أنّه لا يعرف ماذا يفعل أو ماذا ينتظره في سوق العمل مكرّراً عبارة “الله بدبّر لوقتها” أو “لننجح سنة أولى”.
مع أحمد، المفاجأة الكبرى كانت مادة العلوم الطبيعية، “بعدما اعتدنا في المرحلة الثانوية كتابة: التحليل والاستنتاج والوصف… وجدنا أنفسنا هنا نحفظ كتباً سميكة وتحوّلت من مادة واحدة إلى سبع مواد”.
الخط البياني نزولاً
لا ينكر أحد تراجع المستوى التعليمي خلال السّنوات التي تلت عام 2016، بعدما قام وزير التربية الأسبق الياس أبو صعب بحملة تقليصات وإلغاءات طاولت كلّ المواد. هذا التراجع الأول تلته أعوام جائحة فيروس كورونا التي وصل فيها التلاميذ إلى الجامعات بنصف منهج وأقل.
كما لا يمكن المقارنة بين الشهادة الرسمية قبل عام 1997 واليوم. نسب النجاح وحدها تُعتبر مؤشراً مقلقاً. سابقاً لم تكن تتجاوز الـ 50% أما اليوم فهي تناهز الـ95%. حتى أمكن القول إنّ كلّ من يتقدّم إلى الامتحان ينجح.
“في السنة الأولى نعيد كل منهج المرحلة الثانوية وزيادة” يقول أستاذ مادة الكيمياء في كلية العلوم. مع إبداء الكثير من الملاحظات على “المستوى المتراجع لدرجة اضطررنا إلى تأجيل تعليم بعض الأهداف لإفساح المجال في إعادة تركيز أهداف أخرى”.