فتح رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» (رئيس «التيار الوطني الحر»)، القائد السابق للجيش اللبناني، النائب ميشال عون، باب العودة الى الشارع، تعبيراً عن مواقف واعتراضات على ما يقول إنها «الطريقة المعتمدة في الرد على مطاليبه المتراكمة» والتي لم تحظ بموافقات وبلغت حد الباب المقفل..
في الأنظمة الديموقراطية الصافية، اللجوء الى الشارع أمر مقبول ولا اعتراض عليه مادام تحت سقف النظام العام والمصلحة العامة.. في لبنان، قد يكون هذا التحرك، أعاد شيئاً من الحرارة الى «العصب العوني»، بعدما كاد اليأس يأخذ من الجميع، والازمات اللبنانية تتراكم، ابتداءً من الشغور الرئاسي، حيث الجنرال البرتقالي وحليفه «حزب الله» متمسكان، بأن «عون هو الرئيس وإلا فإن الشغور سيتمدد الى ما شاء الله»، على ما كان أعلن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم..
يدرك الجنرال عون، ان أحد أبرز العقبات في طريق وصوله الى بعبدا، هو تحالفه مع الحزب.. ومع هذا فلا يجد الى التراجع عن هذا التحالف من سبيل.. لكن السؤال الذي يبقى جوابه ينتظر التطورات، هو الى أي مدى سيكون الشارع صالحاً وقادراً على ايصال عون وفريقه الى مطاليبهم؟!
كان قرار إرجاء تسريح القادة العسكريين الثلاثة، «الشعرة التي قصمت ظهر البعير..» او «السبب الحقيقي والوحيد لخيارات الجنرال التصعيدية.. من قبل ذلك، اتسمت مواقفه بخصوصية لافتة في حدتها، اختبأت وراء ما قيل إنها «مظلومية يتعرض لها المسيحيون، ليس في لبنان فحسب، بل وفي المنطقة برمتها.. مظلومية تمهد لحذف المسيحيين من المعادلة..» هكذا، تجرأ قياديون في «التيار» وأعلنوا أنهم يقاومون نيابة عن «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«المردة» وآخرين، بل وعن مسيحيي المنطقة في مبالغة غير موصوفة..
الحراك الشارعي في لبنان، وفي ظل المعادلات القائمة غير مؤهل لتحقيق انجازات، وليس له من قيمة سياسية أكثر من أنه تعبير عن رأي، سلبي او ايجابي.. وفي الانجازات، فهو موقوف على مسائل وتعقيدات تتجاوز الشارع اللبناني الى معادلات خارجية، عربية – اقليمية – دولية، تدير الشارع وتمسك به وترسم خطوطه الخضراء، والصفراء والحمراء..؟! خصوصاً وأن اختيار لحظة الصفر للانطلاق بالتحرك تقاطعت مع زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الى لبنان، وبعض دول المنطقة، في اعقاب انجاز الاتفاق النووي.. وعلى ما يظهر، فإن جنرال الرابية، أراد من التوقيت ان يبعث بأكثر من رسالة، لأكثر من جهة..
الواضح الى الآن، ان ليس للجنرال عون من حليف متمكن على الساحة اللبنانية ويمكن الاستناد اليه، سوى «حزب الله».. أما حلفاء الحزب الآخرون، فليسوا حكماً في الموقع نفسه، وملاحظاتهم على اداء الجنرال وخطاباته ومواقفه خرجت الى العلن، وهي متحفظ عليها.. وبقدر ما ان علاقة الجنرال بالحزب تعتبر مصدر قوة، فهي في الوقت عينه نقطة ضعف عند سائر الافرقاء وتحديداً لدى «تيار المستقبل» وما يمثل ومن يمثل وحلفائه.. خصوصاً وان «حزب الله» لم يعد يقرأ دولياً واقليمياً وعربياً على أنه حزب لبناني مئة في المئة، ودوره لم يعد محصوراً على الساحة اللبنانية، هذا عدا الركائز العقائدية والسياسية..
ومن متابعة دقيقة للاتصالات الدولية الجارية على خط حل الازمات الاقليمية، من اليمن الى العراق الى سوريا، يحظى «حزب الله» بهامش واسع، وهو المصنف على لائحة «الارهاب الدولي»، ويدخل مادة حيوية في الضغط الاسرائيلي علي الرئيس الاميركي باراك أوباما للعودة عن الاتفاق النووي مع ايران..
يوفر «حزب الله» للجنرال عون وتكتله وتياره حصانة وسنداً، لكن هذه الحصانة وهذا السند ليس لهما من ضمانة بأن يصرفا سياسياً في الواقع اللبناني – الاقليمي المأزوم، بعيداً عن توافق ايراني – سعودي (برعاية دولية أميركية – روسية). هكذا تكون الحلول اللبنانية موقوفة.. وسحب الهدايا لاعطائها لجنرال الرابية معطلة بسبب اقفال الجوارير.؟!
هكذا، يكون من المبالغة اعطاء الحراك الشارعي للجنرال عون وفريقه وتياره وتكتله، ابعاداً مؤثرة.. لكن من المبالغة أيضاً التصرف على أساس أنه غير موجود، وافراغه من أي مضمون، ولا بد من الوصول الى «حلول وسطى..»؟!
الشارع ورقة ضاغطة، اذا كان الشارع في غالبيته الساحقة مطوع بخاتم هذا الفريق.. أما عندما تكون البيئة الشعبية موزعة الولاءات السياسية فيكون الشارع نقطة ضعف ومعبراً لأزمة قد تطغى على سائر الازمات، اذا ما تحرك الآخرون في مواجهة تحرك الجنرال.. وهو قرار يحتاج الى دراسة عميقة.. لاسيما وان الجميع متفقون على أنه من المبالغة «وضع البيض كله في سلة واحدة»، وطبخة الحلول الاقليمية قيد الاعداد، وان كانت تعترضها عقبات ليست سهلة.؟!