سنة أولى لعهد بدأ ولم يبدأ في آن. لا أي عهد بل عهد رئيس يتمتع بشعبية واسعة في محيطه ويضيف الى رصيده تفاهم مار مخايل مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتفاهم معراب مع رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وما يمكن أن يسمى تفاهم بيت الوسط مع زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري. لكن منطق المراجعة يفرض وضع شيء من المسافة بين خيارات العماد ميشال عون وبين رهانات اللبنانيين على رئاسته. فالتسوية السياسية التي قادت الى ملء الشغور الرئاسي وتأليف الحكومة وتحريك المجلس النيابي لم تكن تسوية بالمعنى الكامل لأنها تركزت على بضعة عناوين عريضة من دون برنامج سياسي. والانجازات التي تحققت خلال السنة الأولى هي، على أهميتها وبينها قانون الانتخاب والموازنة والتشكيلات واعادة الحيوية الى موقع لبنان، استدراك لأمور كان يجب تحقيقها من سنوات لأنها جزء من وظائف السلطة. لا بل انها نوع من الترميم والصيانة لجمهورية متصدّعة على أمل بناء جمهورية جديدة.
من الأقوال المأثورة ان التاريخ يحكم على الرؤساء من خلال أمرين: قابليتهم للتغلب على غير المتوقع، وقدرتهم على جلب غير المتوقع. ومن الظلم مراجعة ما حدث حتى الآن بهذا المنطق. أولا لأن سنة رئاسية مدة قصيرة للحكم، لا التاريخي بل حتى الشعبي والسياسي. وثانياً لأن القرار في عهود ما بعد الطائف لم يعد عملياً في القصر فقط بل أصبح مشاركة في مجلس الوزراء والمجلس النيابي مع أخذ المرجعيات السياسية والدينية بعين الإعتبار. وثالثاً لأن لبنان كله لاعب في لعبة إقليمية ودولية اكبر منه، لا يستطيع الخروج منها، ولا المشاركة الكاملة في إدارتها.
ذلك ان صراع المحاور الإقليمية والدولية يفرض نفسه علينا، بصرف النظر عن الهوامش التي نتحرّك فيها تحت عنوان النأي بالنفس والإبتعاد من النار المشتعلة وعن الخدمات التي يقدّمها لبنان ويحتاج إليهما أهل الحروب من حولنا بما يضمن الحدّ الأدنى من الإستقرار. وما دامت قوى لبنانية عدة منقسمة بين المحاور، فإن أقصى ما يستطيعه أو يأمل فيه الحريصون على القرار الوطني وشيء من لبنان أولاً هو ترتيب نوع من التوازن بين الأدوار الخارجية على المسرح اللبناني. لا بل تنظيم النفوذ الإقليمي والدولي ومراعاة موازين القوى وموازين المصالح بين المكوّنات اللبنانية.
حتى القوى الإقليمية، فإن اللعبة اكبر منها، بعدما دخلت روسيا مباشرة على الخط في حرب سوريا، وفتحت اميركا باب المواجهة مع النفوذ الايراني.