Site icon IMLebanon

الجنرال في عزّ معاركه… هل احتسبها جيّداً في محرابه؟

تراصف الشامتون الأكثر من ان يحصروا بالعماد ميشال عون وراء مجموعة التباسات بعضها واضح مكشوف وبعضها الآخر غامض يصعب تفسيره لانه باق في بال الجنرال ليطلقوا اسهم “التأسي” على احد أكبر التيارات المسيحية بعدما انتقل من مرتبة التيار “الثائر” على كل تقليد وموروث لدى الاحزاب الكلاسيكية اللبنانية الى الاصطفاف في ناديها طائعاً مختاراً. واذا كان اطلاق الاحكام المبكرة من اشد خصوم الجنرال ام من غلاة محبيه على تسليم “التيار الوطني الحر” بارادة زعيمه في انتقال رئاسة التيار الى جبران باسيل بالشكل الصادم الذي حصل امراً مشوباً بالتسرع والغرضية أيضاً، فإن ذلك لا ينفي اطلاقا تجاهل الوقائع الموضوعية التي جعلت هذا التطور يسلط الاضواء على ملابساته التي جاءت في توقيت شديد التوهج بفعل النمط العوني المألوف في ادارة مجموعة معارك في وقت واحد دونما تهيب من التداعيات والحسابات والنتائج التي تترتب غالباً على هذا النمط.

والواقع ان العماد عون أذهل أساساً الكثيرين من متابعي خطواته بإقدامه على قرار نقل رئاسة التيار الى صهره وزير الخارجية الذي لا يحتاج الامر الى كثير شروح لتبيان مكانته الشخصية والعائلية لدى الجنرال. وفي اعتقاد هؤلاء ان ثمة قطبة مخفية لا تزال غامضة للغاية في قرار الجنرال الذي كان يمكنه ان يبقي رئاسة التيار مقترنة بالزعامة العونية الشخصية التي يستحيل فصلها في انتماء العونيين الى تيارهم والا تسبب الامر بالشروخ الكبيرة وغير المحسوبة وهذا ما يخشى ان يكون قد بدأ فعلا. البعض الآخر من مؤيدي الخطوة يعتبرون انه ينبغي الاعتراف للجنرال بشجاعة قراره ولكن هذه الشجاعة فقدت الكثير من بريقها لدى انحراف العملية الانتخابية الديموقراطية الحزبية عن أصولها وراحت نحو التوريث المقنع بزي التوافق على تزكية جبران باسيل على حساب فئات مهمة جدا من المناضلين العونيين ذوي الباع الطويلة في مراس هذا التيار.

الامر الآخر الذي لا يقل اهمية واثارة للجدل يتمثل في التقصي عن حقيقة الرؤية التي توافرت لدى الجنرال بازاء تطورين استثنائين متلازمين برزا لدى انصاره في استحقاقين منفصلين ومتعاقبين وكشفا خللاً غير مألوف لدى هذا التيار الذي ذاع صيته سابقا كاحد الافرقاء الأكثر قابلية للتحشيد الشعبي. الاول كان في مفاجأة انكشاف وجود معارضة واسعة داخل التيار لرئاسة جبران باسيل وكذلك لمخالفة مبدأ اتباع التوريث التقليدي ولو ان هذه الشرائح المعارضة اضطرت الى مجاراة ترشيح النائب ألان عون وهو ابن شقيقة الجنرال لكن على قاعدة تنافس انتخابي حقيقي من شأنه لو استمر ان يوفر شرعية اوسع لانتقال الرئاسة الى أي من المرشحين. اما التطور الثاني الذي اكتسب أيضاً دلالة مهمة، وهذه المرة على المستوى السياسي الاوسع من المعركة الحزبية، فكان في صدمة عدم اقبال انصار التيار بالشكل الذي كان منتظراً على التظاهرات التي دعا اليها الجنرال في معركته السياسية المتعددة العناوين والشعارات والمطالب. بدا من خلال التطورين ان التيار صار في مكان آخر حيال وسائل التعبير عن تطلعاته ولو ان ولاءه لزعيمه لم يتبدل.

واذا كان من دلالة معبرة على عمق التفاعلات العونية التي اثارتها التسوية المكلفة التي جاءت بباسيل رئيسا للتيار، فهي في ذهاب احد المعارضين الذين استقالوا تواً بعد اجتماع الرابية الحزبي الذي انتهى الى تثبيت رئاسة باسيل الى التمييز بين ما سماه الناشط المعارض “حزب جبران باسيل” وتيار العماد عون. وهو امر يحمل كل الدلالات المعبرة عن نقلة أو حتى مغامرة شديدة الدقة في مسار التيار تحمل الرئيس “المعين” الجديد مسؤولية هائلة في اثبات استحقاقه لكل ما فعله الزعيم العوني لنقل الرئاسة اليه.

أما في قراءة الانعكاسات الاخرى للخطوة على مسار المعارك السياسية التي يخوضها العماد عون، فإن الامر لا يزال واقعيا مشوبا بالتسرع. ومع ذلك يصعب تجاهل امور اساسية حيوية وفورية يجري تداولها على نحو طبيعي بإزاء تطور يتصل بزعيم يصر على البقاء متقدما الاضواء واضعا نفسه من دون تهيب في عين عواصف كثيرة. ثمة هنا من يتساءل هل احتسبت هذه الخطوة تماما من منظار التناقض الذي تثيره بين احد اشهر الاقتراحات العونية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة وبين تزكية صادمة لرئيس التيار الذي يحمل هذا الطرح المتقدم؟ وهل احتسبت الخطوة بمقدار عال من الاستشراف من منظار ما يمكن ان تتركه من ارتدادات سلبية على معركة الترشح الدائم الشرعي المسلم به للجنرال، بصرف النظر عن المعارضة القوية لاساليبه، لجهة اعتماد “التوافق” الاشبه بالتعيين والتزكية في تياره فيما يرفض الجنرال أي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية لا يمر بالتسليم بوصوله الى قصر بعبدا؟ ام ترانا امام استدارة عونية تعبر عن نفسها بصمت الجنرال الذي لا يبلغ كلمة سره الى اقرب المقربين بالجنوح نحو تقليد سياسي بدأ بالتيار وربما تأتي فصوله اللاحقة تباعا اقتصاصا من نظام ناهضه الزعيم العوني منذ أكثر من ربع قرن ولم ينجح في هزيمته فبدأ التكيف معه بسياسة الجرعات الصادمة؟