أزمتا العام: التأليف الحكومي والعلاقة بين التيار وحزب الله
المصارحة مطلوبة بين الفريقين ولا جدوى من الرسائل المشفّرة والغامضة
يُقفل العام على أزمة حكومية تبدو مستعصية على الحلّ، بفعل مجموعة من العوامل أدّت الى تعقيدات حالت دون نجاح أكثر من مبادرة، وآخرها نسف الدينامية التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عبر تعطيل تسمية ممثل لـ«اللقاء التشاوري».
لكن العام كذلك يُقفل على أزمة سياسية تكاد تتحوّل حادة بين التيار الوطني الحر و«حزب الله». ظاهرها الخلاف على تموضع الوزير ممثل اللقاء التشاوري، وهم مجموعة النواب السنّة المنتمين سياسيا الى الحزب، وباطنها قد يصحّ وصفه بأزمة ثقة في العلاقة التي تدخل بعد نحو شهرين (في 6 شباط) عامها الثالث عشر.
تقول مصادر سياسية أنّ جهات عدة داخلية وخارجية عملت على امتداد تلك الأعوام على محاولة فكّ أواصر التحالف بين الفريقين. وتشير الى أنّ التيار الوطني الحر على سبيل المثال تعرّض لحملات وضغوط لا تحصى لثنيه عن هذا التحالف، تارة بالتلويح بعقوبات دولية – أميركية على قيادته، وطورا بالإغراءات المادية وغير المادية، لكنّ كلّ هذه المحاولات كانت تنتهي بموقف التيار الصلب المُدافع عن هذا التحالف والمُصرّ عليه، رغم الكثير من العثرات والأخطاء التي إرتكبت والإجحاف الذي أصاب التيار في أكثر من إستحقاق ومحطّة سياسية وإصلاحية، من مثل العلاقة الملتبسة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة «أمل» والكثير من الملفات الحياتية (خطة الكهرباء مثالا) التي تمايز وزراء الحزب في مقاربتها وإتخذوا موقفا متعارضا مع موقف التيار ورئيس الجمهورية، لا بل كان أقرب الى موقف وزراء القوات اللبنانية. وتبقى المحطة التمايزية الأبرز الانتخابات الرئاسية عام 2007. يومها فاضل حزب الله بين ميشال سليمان وميشال عون، وزكّى الأول في إجتماعات الدوحة، لينتهي الأمر الى ما إنتهى عليه بين الحزب وسليمان، من حليف في الـ2007 الى خصم مباشر في منتصف الولاية، وصولا الى خطاب المعادلة الخشبية.
وتلفت المصادر الى أنّ الأزمة الحالية بين التيار والحزب حقيقية، ولا بدّ من معالجتها بمصارحة كاملة بين القيادتين تصل الى حدّ وضع كل الأمور والشوائب على طاولة البحث، من دون لزوم الرسائل المُشفّرة التي تصل الى قيادة التيار وهي في غالبيتها مغايرة للغة الحزب في اللقاءات المباشرة. وهو تحديدا ما دفع هذه القيادة الى القول بصريح العبارة: إذا كانت المشكلة الحكومية مسألة الثلث المعطّل وعدم رغبة الحزب في أن يكون في معية التيار، فلتقل الأمور علنا لا بتلك الرسائل المُشفّرة والغامضة، عبر جهات محسوبة على الحزب سياسيا وإعلاميا، من مثل القول إدعاء إن باسيل طلب من الحزب تبنيه لرئاسة الجمهورية وأن الجواب جاءه بالرفض.
وتعتبر المصادر أنّ على قيادة الحزب أن تأخذ في الاعتبار أن التعامل مع التيار لا يمكن أن يكون كالتعامل مع غيره من القوى الحليفة للحزب، انطلاقا من جملة عوامل، في مقدمها المكانة السياسية والتمثيلية المتقدمة للتيار في بيئته وعلى مستوى الوطن، والأهمّ طبيعة تكوينه وتكوين قيادته التي لم تكن يوما إلا نتاجا للفكر التحرّري والسيادي غير الخاضع لا للضغوط التقليدية كإغراءات السلطة والمكاسب الشخصية التي تعطّل القرار الحر، ولا للتأثيرات الجانبية المحلية وهي في غالبها نتاج النميمة، ولا حتى للتهويل الدولي بعقوبات ولوائح. من هنا، تكون الثقة بين الفريقين كاملة وناجزة أو لا تكون.
وترى المصادر أنّ المصارحة المباشرة بين التيار والحزب لا بدّ أن تتم في أقرب وقت، والأرجح بعد الإنتهاء من مسألة التشكيل الحكومي، لكن هذا الأمر لا يمنع أن تتوضح بعض النقاط وتُزال بعض الشوائب التي لحقت بهذه العلاقة في المرحلة الأخيرة لما فيه مصلحة الفريقين. فلا التيار مستعدّ لفكّ هذا التحالف الذي شكّل صمام أمان وطني لا مسيحي – شيعي فحسب، ولا الحزب في وارد أن يخسر تحالفا صادقا بامتداد سياسي ووجداني عميق، كالذي يجمعه بالتيار.