Site icon IMLebanon

«الجنرال» يصوغ «الكلمة الأخيرة».. لما بعد التمديد

مراجعة عونية لمسار الحوار المقطوع مع «المستقبل»

«الجنرال» يصوغ «الكلمة الأخيرة».. لما بعد التمديد

يجيّر الجنرال ميشال عون معظم اهتماماته وانشغالاته، وحتى مواعيده، في هذه المرحلة، لمصلحة الاستحقاق الداخلي في «التيار الوطني الحر». الوقت صار داهماً، والخلافات القاسية بين «أبنائه» التي طافت عن كوب التراكمات العتيقة، تشغل بال الرجل وتدفعه الى مغادرة حياده، مع أنه حتى اللحظة يصرّ على البقاء على مسافة واحدة من المتنافسين.. ولكن قد لا يطول الأمر كثيراً.

ومع ذلك، لم يهمل الجنرال «القضية الأم»: رئاسة الجمهورية، وقبلها قيادة الجيش. هو في قلب معركة صعبة، لا بل وجودية بالنسبة له. من بعدها ستصبح الخيارات محدودة والفرص شبه معدومة.

حتى اليوم لم ييأس، ولا يساوره الاعتقاد بأنّ الاستسلام صار حتمياً، لا بل لا تزال ثمة أوراق لم تخرج بعد من الأكمام، ويمكن الاستعانة بها في وقتها. هكذا يرصد أداء الآخرين، الخصوم تحديداً، قبل أن يقول كلمته الأخيرة.

يعرف جيداً أنّه بات على مسافة قريبة من آخر الكلام. لهذا قد يكون الهدوء البادي هدوء ما قبل العاصفة.

ولعل أكثر ما يصبّ الزيت على نار غضبه هو الأسلوب الذي تعامل به «تيار المستقبل» معه. هنا، بمقدور بعض زوار الجنرال أن يستفيضوا في شرح ملابسات هذه العلاقة التي نشأت بإرادة الفريقين، وإذ بها تتلوث بقرار احادي، ينمّ عن رغبة دفينة لدى بعض «الزرق» في تشويه صورة «التيار الوطني الحر» لا أكثر.

يبني هؤلاء مقاربتهم على وقائع متضاربة تقصّد «المستقبليون» افتعالها في سياق الحوار الثنائي مع الجنرال، بحجج مختلفة، أبرزها الفيتوات الاقليمية، ونفضوا أيديهم منها.. مع أنّ التهمة تلبسهم، وفق زوار رئيس «تكتل الاصلاح والتغيير».

يقول هؤلاء إنّ سعد الحريري انقلب على كلامه في جولتَي المحادثات التي أجراها مع ميشال عون. في المرة الأولى في روما، وفي المرة الثانية في بيت الوسط، تحت عنوان الرفض السعودي للمعادلات التي كان رئيس الحكومة السابق يحاول تكريسها، سواء في رئاسة الجمهورية أو في قيادة الجيش.

ولكن بنظر زوار الجنرال، إذا كان رئيس «تيار المستقبل» لا يعرف مسبقاً بقواعد المملكة وبشروطها فتلك مصيبة، وإذا كان يعرف وتجاهلها فتلك مصيبة أكبر. وبالنسبة لهؤلاء، فإن التوصيف الأدق هو أنّ الحريري يعرف جيداً حدود اللعبة، ولعب على حافتها، مسجلاً رهانه على عامل الوقت والزمن، كي يحقق أرباحه.

رحلة الأخذ والرد بدأت من العاصمة الايطالية، حيث يجزم المتحدثون أنّ المضيف كان واضحاً وحاسماً في تأييده لمعادلة ميشال عون للرئاسة وسعد الحريري في رئاسة الحكومة. ثم عاد وتملص منها بحجة الحلفاء المسيحيين.

وفور عودته الى بيروت اتصل به عون مرحباً، فكانت دعوة من الحريري لمأدبة عشاء ليلة عيد ميلاد الجنرال. على تلك المائدة عرض المضيف مرة أخرى معادلة قيادة الجيش مقابل قيادة قوى الأمن الداخلي.. ثم عاد وتراجع عنها.

يجزم هؤلاء أنه لا لبس في ما سمعه عون من الحريري، لكن الالتباس هو في الهروب من هذه الالتزامات. لا تقنعهم الحجج المتداولة حول رفض الرياض للعرضَين.

بنظرهم، إنّ هذا التملص مقصود وليس مفروضاً، لا بل هو مدروس ومبرمج ضمن خطة واضحة ذات أهداف محددة، يُراد منها جرّ «التيار الحر» الى مواقف لا تشبهه وتضرب مصداقيته، بدليل أنّ غطاس خوري علل سبب انسحاب «المستقبل» من الاتفاق الرئاسي أنّه كان يُنتظر من الجنرال أن يعبّر بالعلن عن تمايزه عن «حزب الله»، ولأنه لم يفعلها اضطر الحريري الى نفض يديه.

ويزيد هؤلاء دليلاً آخر على مخطط «المستقبليين»، هو أنّ الرياض ليست معنية بشكل مباشر ولا غير مباشر بمسألة قيادة الجيش، ولا تعنيها هوية الضابط الذي سيتولى القيادة طالما أنّ المؤسسة العسكرية لن تكون يوماً في خندق «14 آذار» ولا في خندق خصومها.

وإذا كان ثمة دولة معنية، فهي الولايات المتحدة التي تتولى تزويد الجيش مجاناً بالعتاد والأسلحة، وهي لا ترفض أبداً وصول العميد شامل روكز الى رأس الهرم.

لهذا يصرّ هؤلاء على القول إنّ قيادة «المستقبل» تقصّدت استخدام هذه المناورة التي تأخذ من الجنرال من دون أن تعطيه، من باب ضرب مصداقيته أمام جمهوره وشدّ عصب الجمهور «الأزرق»، وقطع الطريق أمام أي محاولات من العونيين للتصويب على «الحريرية السياسية».

اليوم، يكاد يكون ميشال عون مقتنعاً بهذا التحليل، ويرصد الخطوات التالية. لتكون حدفته من بعدها.

بالنسبة له المسألة محسومة: لا جلسات لمجلس الوزراء بعد اقتراف خطيئة التمديد. سبق له أن أبلغ كل من التقاهم أنّ قراره واضح ولا تراجع عنه. يدرك جيداً عواقب هذه المسألة، ويعرف أن الحكومة هي آخر المؤسسات الدستورية العاملة، وأن المنطقة تمر بمرحلة انتقالية لا تخلو من التحديات الصعبة وقد لا يكون التوقيت اللبناني مناسباً للساعة الاقليمية… ومع ذلك، لن يتوانى الرجل عن التقدم الى الأمام في خطواته التصعيدية.

وكما أن لتعطيل الحكومة مضاره، فله أيضاً فوائده.. ولهذا سيفعلها ميشال عون، عليه وعلى خصومه.