بمعزل عن الجهود السياسية التي أدّت إلى تعيين العميد الركن حسان عودة رئيساً لأركان الجيش، يمكن القول انّ الجدل ما زال قائماً حول طريقة تنفيذ هذا القرار ليصبح ساري المفعول. ولذلك، فإنّ أبرز المواجهات تبقى قانونية ودستورية بين من يدعو الى احترام الدستور وقانون الدفاع، وآخر يرى انّ في الإمكان تجاوزهما بقوة الأمر الواقع، لملء الشغورالقائم منذ إحالة سلفه اللواء أمين العرم الى التقاعد. وهذه هي المقاربة التي تفسّر ما يجري.
باستثناء اي ردّ فعل قد يكون له انعكاس على وضعية المؤسسة العسكرية وقوتها ومنعتها على مختلف المستويات، يبدو للمراقبين انّ هناك سيلاً من الملاحظات القانونية والدستورية تمسّ الآلية التي اعتُمدت في تعيين رئيس الأركان الجديد في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة. ولذلك رأى مرجع دستوري، انّ ما حصل في تلك الجلسة لا يعدو كونه «قراراً تمهيدياً» لا يوفّر الآليات والمواصفات القانونية والدستورية المؤدية الى اعتباره نافذاً ليتسلّم رئيس الأركان المعيّن مهمّاته. وانّ من الواجب ترجمته بمرسوم وفقاً لما يقول به الدستور وقانون الدفاع. وما هو واضح انّ الحكومة تتريث في إصداره لمعرفتها بقصر الطريق الى الطعن به أمام مجلس شورى الدولة.
ولذلك، يقول المرجع، إنّ ما قامت به الحكومة لا يمكن ترجمته في ظل خلو سّدة رئاسة الجمهورية من شاغلها، وخصوصاً أنّها أجازت لنفسها حتى اليوم «الاستغناء عن المرسوم». وهي إن أعطت أهمية لمهلة الأيام الخمسة عشرة الفاصلة عن تاريخ صدور القرار، انقضت في 23 من الجاري، طالما انّ قرار التعيين صدر في الثامن منه، فإنّه انتظار بلا قيمة، عدا عن كونه تجاوزاً ومخالفة لما قالت به «المادة «56 من الدستور التي تنظّم صلاحيات رئيس الجمهورية في شأن طلب إعادة النظر بقرارات مجلس الوزراء». وهي مخطئة وغير مصيبة إن بررت ذلك بأنّها «تمارس صلاحيات الرئيس بالوكالة ويجوز لها أن تنتظر انقضاء هذه المهلة المعطاة له لإعادة النظر في قرار التعيين». وعليه، لا يمكنها لاحقاً ان تعتبر انّ القرار صار نافذاً حكماً ووجب نشره».
وعندها، يضيف المرجع، انّ الحكومة «ماضية في ارتكاب المخالفة الدستورية عينها». ففي حال كهذه يصطدم التوجّه الحكومي المعتمد بـالنص الدستوري الواضح للمادة 56 التي تقول بـ «أنّ مهلة الخمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ إيداع القرار رئاسة الجمهورية، أي المديرية العامة لرئاسة الجمهورية وفق قانون تنظيم هذه الأخيرة»، وبالتالي «إذا لم يتمّ هذا الإيداع فإنّ المهلة تكون لم تنطلق أصلاً ولا يمكن بالتالي اعتبار القرار نافذاً حكماً بانتهائها لأنّها لم تنطلق أصلاً».
عند هذه القراءة القانونية التي تلقى اجماعاً، يتوقف البحث في موضوع تعيين رئيس الأركان من وجهة نظر قانونية ودستورية، ليضيف المرجع عينه، انّ ما قامت به الحكومة يشكل تلطياً بما يُسمّى «العمل الإنشائي والإعلامي». وهذه خطة لا يمكن الاعتداد بها قانوناً. فالحديث عن اي مهلة لم يعد له اي قيمة دستورية او قانونية ما لم تنتهِ العملية الى إصدار المرسوم الخاص بالتعيين لتبدأ معه عملية احتساب كل المهل بما فيها المهلة الخاصة بالطعن أمام مجلس شورى الدولة. وهي مهمّة يمكن ان يقوم بها وزير الدفاع او اي من الضباط المتضرّرين من هذا القرار. وهم ليسوا من الضباط الدروز فحسب كما يعتقد البعض، انما يمكن ان يكونوا من طوائف ومذاهب مختلفة وهم متضرّرون بشكل من الأشكال. فليس في قانون الدفاع ما يقول بأنّ مركز رئيس الاركان يعني الضباط الدروز وحدهم، وأن لا علاقة لبقية الضباط بأي قرار او اجراء يطاول هذا المركز الحساس في قيادة الجيش.
وإن سألت المرجع الدستوري عينه، انّ رئيس حكومة تصريف الاعمال سبق له ان مارس صلاحية رئيس الجمهورية ضمن المهلة المعطاة له، بردّه القوانين الثلاثة التي اقرّها مجلس النواب والتي تتصل بالتنظيم المالي الجديد في المدارس الخاصة وصندوق المعلمين وقانون الايجارات الخاص بالممتلكات غير السكنية وغيرها، والتي اعتُبرت لاحقاً انّها سارية المفعول بمرور مهلة الأيام الخمسة عشرة على إقرارها في المجلس النيابي، فكان الجواب مختصراً بـ «انّ ما حصل سابقة وتجاوزاً لحدّ السلطة، وهو ما تفسّره عبارة «سلبطة» او «تسلّط». فليس لك إن كنت رئيساً للحكومة او غير مسؤول في اي موقع كان، ان تأخذ صلاحيات غيرك الاّ تلك المنصوص عنها في الدستور. فكيف إن كانت مثل هذه الصلاحيات لصيقة برئيس الجمهورية ولا يمكن ان تُمنح أو تجيّر إلى اي هيئة أو مسؤول آخر أياً كان موقعه؟ وبالتالي فإنّ القرار او المرسوم الذي نتحدث عنه، واعيد واكرّر، لا يمكن احتساب اي مهلة تتعلق به، ما لم يصر الى إيداعه المديرية العامة في رئاسة الجمهورية. والجميع يعرف اليوم ان ليس هناك رئيس للجمهورية. وإن عدنا الى امر رئيس الاركان فإنّ من نافل القول انّه لا يمكن لأي كان سواءً المتضرر منه أو في موقع وزير الدفاع الذي يعتقد انّ في ما جرى تجاوزاً لصلاحياته، ان يطعن أمام مجلس شورى الدولة قبل صدور المرسوم في الجريدة الرسمية».
واضاف المرجع، انّ ما يجري اليوم يشبه طريقة التعاطي مع قرار مجلس الشورى بوقف القرار الحكومي الخاص بأموال المودعين. وأوجه الشبه تكمن في انّ مجلس الشورى قال «انّه من المفترض انّ الحكومة قد وضعت خطة مالية كاملة للتعاطي مع هذه الاموال، ولكنها غير نافذة طالما انّها لم تحل بعد من الحكومة الى مجلس النواب ليقرّها بقانون، ليصبح بعدها الطعن بها جائزاً. ولذلك اعتبر مجلس شورى الدولة «انّ القرار الذي قال بحسم اموال المصارف بالعملة الاجنبية من موازنة مصرف لبنان قرار غير نافذ ولا ضاراً أو مفيداً». ولذلك كله يمكن القول انّه لم يعد هناك اي اعتبار لا للقانون ولا للدستور.
ولما قيل له انّ قائد الجيش مضطر للسفر في الايام المقبلة للمشاركة في مؤتمر خاص بدعم الجيش في باريس، وهو يجب ان يترك مركزه لمن يتولّى الإمرة بالإنابة عنه وهو رئيس الاركان، يقاطع المرجع ويقول: «بالمعنى القانوني والدستوري ليس هناك اليوم رئيس للأركان. ذلك انّ المرسوم الخاص بتعيينه لم يصدر بعد. وإن كان هناك رجال دولة لا يخشون عواقب ما قاموا به لأصدروا المرسوم ولينتظروا الطعن به إن حصل ذلك أم لا. فإن حصل الطعن واوقف مجلس الشورى العمل به ماذا نكون قد فعلنا؟. ولذلك كله، يختم المرجع: «لا أجد في ما يجري سوى نوع من «البندقة» التي لا تفسير لها سوى محاولة فرض أمر واقع». ويختم :»ان يمرّ التعيين بلا مرسوم يعني انّه فرض أمر واقع، وأنّ على المعنيين ان يفهموا انّ أحداً لا يستطيع أن يكرّس امراً قانونياً او دستورياً من دون الآلية الدستورية. وإن حصل ذلك اليوم، فقد نكون استنسخنا تجارب عبرت أخيراً بطريقة خارجة عن القانون والدستور، وهو ما شهدنا نماذج منه في أكثر من مناسبة».