هل استشعر السيد ان الجنرال في خطر فرفع صوته؟ رفع الآخرون في «حزب الله» اصواتهم وقالوا ان ميشال عون خط احمر. احمر بالخط العريض…
قال بحقوق المسيحيين، ولكن اين هم المسيحيون؟ قبائل، وتنظيمات، بل ومذاهب (مارونية) وبعدما حلّ السفراء العرب محل القناصل الاوروبيين في ادارة الرؤوس، وادارة المواقف، بل وبادارة الكنائس.
شيء مضحك حين يحكى عن حقوق المسيحيين بغياب المسيحيين، او بتشتتهم، او بنوعية ولاء البعض منهم. يا صاحبي حين يتم شراء رئيس جمهورية بالدنانير، او حين يتم توضيبه استخباراتيا، او ديبلوماسيا، كما تماثيل الشمع. أيعني هذا ان الجميع راحوا يغرزون اظفارهم في جلد الجنرال لانه يرفض ان يكون تمثالا من الشمع…
نستعيد ما قاله وزير خارجية سابق، وعتيق، ويقرأ حتى في عظام القادة الموارنة. بالرغم من ان ميشال عون جنرال فهو اسوأ من يحدد التوقيت لمعاركه، ودون ان تكون هناك من امكانية لظهور تسونامي في عام 2005 مجددا، فقد فتكت اجهزة الاستخبارات بالقواعد الشعبية و ابتيع بعض النجوم الذين تحولوا من بطاركة الى ببغاءات، وحيث تبدأ السنفونية اليومية بالهجوم على «حزب الله» و تنتهي بالهجوم على «ايران». هذه هي المعمودية السياسية من الآن وصاعدا. ما لم تكشفه برقيات ويكيليكس اشد هولا، واشد اثارة، بكثير…
اذاً، كيف يضع الجنرال نفسه فوق كومة الحطب؟ لا نتصور انه استشار «حزب الله» الذي يدرك حساسية رئيس التيار الوطني الحر حيال كلمة «لا» حتى ولو كانت مطرزة بالحرير. المثير ان هناك من تحدث عن انتصار. انتصار في ماذا؟ وعلى ماذا؟ الناس تغيروا يا حضرة الجنرال…
قبل ان يحكى عن قانون انتخابات يأخذ بالاعتبار ان الصوت المسيحي يساوي وزنه ذهبا لانه وراء ظهور لبنان، كظاهرة عجيبة او كظاهرة عجائبية، وانه وراء كل مظاهر الحداثة التي دخلت الى لبنان، ودون ان يكون الغرب دائما هو غرب الغزاة. هناك غرب ميشال فوكو وجان جينيه وارنولد توينبي وفرنسيس فورد كوبولا، واندريه مالرو، وحتى غرب شارل ديغول وبرونو كرايسكي وجورج مارشال وريجيس دوبريه…
وقبل ان يجري السباق السيزيفي، والكاريكاتوري (والمزري ايضا) نحو القصر الجمهوري، هل من الممكن ان يسند صاحب الفخامة رأسه الى نصوص هي اقرب ما تكون الى جدران الزنزانة، وحيث الرئيس شئنا ام ابينا يشبه آخر فساتين الملكة اليزابت حين يحوّل المسلمون حتى الملائكة الى ذئاب؟
يا لذلك الشيخ العبقري الذي لاحظ في احد مساجدنا ان التكنولوجيا مضحكة. العربة الفضائية تحتاج الى مليارات الدولارات، والى ملايين الساعات من العمل، لكي تصل الى المريخ، فيما الامر لا يحتاج الى اكثر من ساطور لكي يصل الجهادي الى ذلك الكوكب الذي يستوي فيه الله على كرسيه. هكذا بالحرف الواحد. إياكم والتكنولوجيا، اياكم والفلسفة، انها لعبة الكفرة…
ابعد من قانون الانتخاب وابعد من جاذبية القصر (لاحظوا في اي خزائن التاريخ، في اي اقبية التاريخ، يحشر معظم رؤساء الجمهورية في لبنان)، هناك ازمة دولة،وازمة نظام، وازمة مجتمع. لا المسلم يعرف اين يضع قدميه ولا المسيحي يعرف اين يضع قدميه حين يكونان سوية داخل الزلزال…
الجنرال قدم نفسه على انه قسطنطين الاكبر( ماذا ترك للحكيم؟) الذي ينقذ المسيحيين، وحقوق المسيحيين، من الضياع. لا شيء يا حضرة العماد تغير منذ قبعات (وسراويل) القناصل وحتى كوفيات (وعباءات) السفراء. نحن كلنا، كما الامتعة العتيقة، الامتعة البشرية، في المزاد العلني. بالمال الفظ وبالايديولوجيا الفظة تبنى المواقف، وتهبط علينا، كما الصواعق، التصريحات الببغائية إياها. توقفوا، حتى الغثيان اصيب …بالغثيان.
احدهم يسأل «تتحدثون عن اجهزة الاستخبارات التي تذرع البلاد من ادناها الى اقصاها، فهل استعصى عليها اغتيال الجنرال؟ البعض يحترف تعذيب الجنرال. اللعبة تفترض بقاءه ليسقط قطعة قطعة، معركة معركة، شعارا شعارا. من لا يدري كيف حمل احدهم من قادة الموارنة الخنجر، وكيف اتصل قطب اخر بمرجعيته خارج الحدود، ليقول لها ان عون يضرب رأسه بالحائط. انتظروا قليلا ولسوف يقع مغشيا عليه…
سليمان فرنجية الذي ابقته الصدفة على قيد الحياة، والذي يدرك اكثر من غيره، وعبر تلك الليلة الدموية الهائلة، ما يعنيه الصراع بين الموارنة والموارنة، كان عليه ان يقول ما يقوله «لسنا عسكرا لننفذ»، مستهولا الحديث عن الفديرالية، ودولة الكازينو حيث تحل الليدي غاغا محل السيدة العذراء…
رفع الصوت الذي نعتقد ايضا انه صوت الحلفاء الاخرين الذين خافوا على الجنرال من حملة الحقائب، ومن حملة السواطير، ومن الذين لن ينتظروا جثته على ضفة النهر، كما يقول وليد جنبلاط بل كما يقول الصينيون، بل على ارصفة الداون تاون…
ايها الجنرال العزيز، هناك طرق اخرى لتصل. القصر لم يعد اكثر من مستودع للفراغ، قبل وقت طويل من… الفراغ!!