Site icon IMLebanon

التمديد للقائد (1)

 

مطلع العام المقبل، يُحال قائد الجيش على التقاعد لبلوغه السنّ القانونية، سنداً لأحكام المادة/56/ من قانون الدفاع، علماً، أن الحكومة الحالية تُصرِّف الأعمال بالمعنى الضيّق، وليس باستطاعتها تعيين قائد بديل، فضلاً عن غياب رئيس الجمهورية (رئيس المجلس الأعلى للدفاع). مما يجعلنا أمام خيارين، إمّا التمديد لقائد الجيش الحالي، وإمّا البحث عن الضابط الممكن أن يتولّى قيادة الجيش بعد خلو الموقع. وبالعودة إلى قانون الدفاع وتحديداً المادة/21/ منه، يتبيّن جليّاً أن رئيس الأركان ينوب عن القائد بحال غيابه حصراً ولا يمكن أن يحلّ محلّه بعد خلو سدّة القيادة، فضلاً عن عدم حماسة هذا الأخير لتبوّؤ الموقع.

 

مما يُفيد، أنه وفي مطلع العام القادم، ومع ثبوت عدم القدرة على تعيين قائد جيش بديل من قبل حكومة تصريف أعمال، وفي ظلّ إشكالية تسلُّم رئيس الأركان القيادة بعد خلو الموقع، وأمام التخبُّط في تكليف الضابط الأعلى رتبةً تسلُّم قيادة الجيش، بات لا بُدّ من الذّهاب نحو التمديد لقائد الجيش، حرصاً على البلاد، وتأميناً للمصلحة الوطنية العُليا، وحِفاظاً على مؤسسة الجيش.

 

يتعرّض لبنان راهناً، إلى أسوأ اعتداء همجيّ، وفي ظلّ هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، بات لا بُدّ من الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، والحؤول دون انهيارها واندثارها. فلُبنان يمُرّ في أوضاعٍ استثنائية صعبة. فالقاعدة هي تطبيق القانون (أي إحالة القائد على التقاعد) ونظرية الضرورة والظروف الاستثنائية هي الاستثناء. وهذا الاستثناء، أيّ الظروف الاستثنائية تسمو ليس فقط على القانون، إنما على الدستور أيضاً. وتستمدّ هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية التي تعتبر أن “سلامة الشعب هي الشرعة الأسمى” “Salus Populi suprema lex”.

 

يتّجه الفقه إلى اعتبار فكرة الضرورة أساس نظرية الظروف الاستثنائية، ويقصد بالضرورة تلك الحالة من الخطر الجسيم والداهم التي يتعذّر تداركها بالوسائل العادية، ما يدفع السلطات باللجوء إلى الوسائل القانونية الاستثنائية لدفع هذا الخطر ولمواجهة الأزمات:

 

L’état de nécessité est une notion juridique qui consiste à autoriser une action illégale pour empêcher la réalisation d’un dommage plus grave.

 

فكرة الضرورة هذه تقوم على ركنين: ركن موضوعي ويتمثّل بوجود خطر يُهدّد مصلحة الوطن، وركن شكلي يتمثّل في تجاوز أحكام القانون.

 

تُعد نظرية الضرورة من النظريات العامّة في القانون التي لا يقتصر مجالها على القانون الدستوري وإنما يتعدّاه إلى مجالات القانون الأُخرى. تظهر حالة الضرورة في نطاق القانون الدستوري كلما كانت الدولة في وضع لا تستطيع معه أن تواجه أخطاراً مُعيّنة، سواء كان مصدر هذه الأخطار داخلياً أم خارجياً، إلاّ بالتضحية بالاعتبارات الدستورية التي لا يمكن تجاوزها في الأوضاع العادية. وبالتالي فإن نظرية الضرورة تعني إضفاء المشروعية على عمل هو في الظروف العادية غير مشروع.

 

انطلاقاً مما تقدّم، إن التمديد يأتي تماشياً مع قاعدة الظروف الاستثنائية وحال الضرورة، وتأميناً لمصلحة البلاد العُليا (Raison d’état). وبالتالي، لا عيب دستورياً بهذا التمديد إن حصل، سيّما وأن كافة قرارات المجلس الدستوري ذهبت بهذا الاتّجاه (القرار رقم 2/2012 جاء فيه: “الظروف الاستثنائية تتولّد عنها شرعية استثنائية، يجوز فيها للمشترع أن يخرج عن أحكام الدستور حفاظاً على الانتظام العام واستمرارية عمل المرافق العامة وصوناً لمصالح البلاد العُليا).

 

بالخُلاصة، تُجيز الظروف الاستثنائية إقرار التمديد أصولاً، ومصلحة البلاد العُليا تفرض ذلك. أمّا لجهة قابلية اقتراح التمديد (المُقدّم من تكتل الجمهورية القوية) للطعن أمام الدستوري، لعدم اتّسامه بالشمولية والعمومية… فللبحث صلة في المقال المقبل. ولكل سؤالٍ جواب.