تعالوا نستعِد مفردات يعشقها الطامحون الى مواقع وأدوار رئيسية في لبنان:
ـــــ أنا لا اطلب شيئاً لنفسي، لكن إذا حمّلني الشعب المسؤولية فلن أتهرّب.
ــــ لم أسعَ للموقع، إنما هو سعى خلفي.
ــــ أنا هنا لأخدم شعبي ووطني، وإذا طُلب مني أداء دور إضافي فسأفعل.
ــــ لن أقدّم أي تنازلات عن مبادئي ولا أعقد أي تسويات. من يرِدْني كما انا، فأنا حاضر.
حسنا، ولكن لنقل كلمة، أعجبت من أعجبت، وأغضبت من أغضبت: في لبنان الذي نعرفه ليس هناك سوى سليم الحص، فقط سليم الحص، من يحترم نفسه وأهله وشعبه ويلتزم الشعار الذي يقول للمسؤول: اياك ان تطلب شيئاً لنفسك. اما بقية السياسيين، فليسمحوا لنا. ليس بينهم، على الاطلاق، من يتعفّف عن اي مهمة، مع رجاء عدم اعتبار هذا التعميم جارفاً لبعض اوادم البلد.
عون هو رأس حربة المشروع الاستقلالي
الحقيقي في لبنان، لا ينافسه أحد في احترامه السيادة وتفاعله مع حقائق البلاد
مناسبة الحديث ما نقله الزميل عماد مرمل في «السفير»، امس، عن قائد الجيش العماد جان قهوجي ومفاده: «نعم. قائد الجيش، بحكم المركز الذي يشغله، يصبح، تلقائياً، مرشحاً رئاسياً بديهياً في معزل عن رأيه، لكنني، شخصياً، أتحدى أياً كان القول إنني فاتحته بشيء يخصّني في هذا الشأن. أما إن حصل تفاهم على اسمي، فلن أتهرّب من تحمل مسؤوليتي الوطنية». وأضاف: «أقول للعماد عون، لست أنا من يعرقل أو يمنع وصوله الى الرئاسة، بل سأكون في طليعة مهنئيه إذا انتُخب، وربما سأصل قبله الى قصر بعبدا لتقديم التهنئة له، وما يحول حتى الآن دون ذلك، ان هناك مكوّنات لبنانية تمتنع عن تأييد عون، وهذه ليست مسؤوليتي!».
اعلم، كما بقية اللبنانيين، بأن الاولويات الوطنية الكبرى توجب الابتعاد عن المعارك الجانبية، وبأن حفظ مؤسسة الجيش أولوية مطلقة في مواجهة ما يصيبنا، وان انتقاد قائد هذه المؤسسة لا يفيد في سياق تحصين الجيش الذي يظل محل اجماع غالبية لبنانية، برغم توسع قاعدة المعترضين عليه، وخصوصاً بعدما تكوّنت قاعدة شعبية تضم «القوات اللبنانية» والتيارات السلفية وسط السنّة والدروز، اضافة الى قيادات مدنية تخشى سلطة العسكر في اي وقت.
لكن رفض قائد الجيش التفرغ لمهمته الرئيسية، واستمراره في تقمّص دور السياسيين بطريقة غير احترافية، وخضوعه لمزاجية فريق من المساعدين والمستشارين والمناصرين، من الذين يحتاجون الى من يعينهم على انفسهم أولاً، كل ذلك، يوجب قول ما لا يرغب كثيرون في سماعه.
أيها الجنرال،
ــــ ليس صحيحاً، ثم هو ليس قدراً، ان يكون كل قائد للجيش مرشحاً طبيعياً لرئاسة الجمهورية. واذا اراد كثيرون تثبيت هذه القاعدة، فهذا يعني، حكماً، الحاجة الى تغيير طائفة قائد الجيش ومذهبه.
ــــ ليس صحيحاً ان تجربة لبنان مع وجود قائد للجيش كانت ناجحة بحدود تشجّع على اعتمادها بصورة دائمة. وما خبرناه مع الرئيس السابق، الجنرال ميشال سليمان، يجعلنا نتوب عن هذا الخطأ الى ابد الآبدين.
ــــ ربما وجب على من يريدك في موقع رفيع ان يشرح لك أن وصول فؤاد شهاب الى الرئاسة، كان حلاً وحيداً ازاء الازمة الوطنية التي كانت البلاد تواجهها، ولتحقيق تغييرات بنيوية على صعيد مؤسسات الدولة، وان وصول اميل لحود الى رئاسة الجمهورية كان تعبيراً عن كونه يمثّل، بصراحة مطلقة ومن دون اي مداورة او تلوّن، محوراً سياسياً لبنانياً واقليمياً. ونحن، اليوم، في مرحلة مواجهة، ولسنا في مرحلة كالتي عشناها بعد 7 ايار واوصلت سليمان الى مقعد لم يكن مناسباً له.
ــــ ان طبيعة المواجهة التي يخوضها لبنان اليوم تحتّم مواصفات واضحة ولا تحتاج الى رئيس تسوية. وكل الفكرة السخيفة التي تقول برئيس توافقي، سندها حاجة بعض اقطاب النظام الطائفي في لبنان الى ضمان استمراريتهم في زعاماتهم التي تحتاج الى اقتلاع من الجذور.
ــــ ان محاولة اللعب على الحبال، والسعي الى مراضاة اميركا وأوروبا والخليج، وعدم القطع مع المقاومة في لبنان، لكن مع الاصرار على سرية اللقاءات مع قائدها، والاكتفاء بخيوط خجولة مع سوريا، وتوزيع الابتسامات على الايرانيين والروس، لن يفيد في تظهير موقف واضح. بل على العكس، فان سلوك العماد قهوجي، يثير النقزة، ويجعلنا نتوقّع نسخة جديدة من ميشال سليمان، لا اذاقنا الله كأسها المرّة من جديد.
وأخيرا، وبما خص العماد ميشال عون، فلا اعرف اذا كان من المفيد لفت انتباه العماد قهوجي الى حقائق، ابرزها ان عون يمثل، اليوم، رأس حربة المشروع الاستقلالي الحقيقي في لبنان. هو الوحيد الذي لا يمكن لاحد، اي احد، ان يجادله في احترامه لسيادة بلده، وفي احترامه للحقائق التاريخية التي تعني هذا البلد، وفي واقعيته وتفاعله مع التطورات التي عصفت بالبلاد خلال ربع قرن. وهو الوحيد الذي يمكن ان تتفق معه على كلمة، ويظل محترماً لها ولو كره الكارهون.
اكثر من ذلك، لست انت يا جنرال قهوجي من يحق له مخاطبة الجنرال عون بهذه اللغة. بل يُفضل احترام المقامات والتراتبية، وان تذهب اليه، عله يساعدك على حماية الجيش من جرثومة الوصوليين والانتهازيين، وتأثيرات السياسيين التافهين، وبما يجعلك تختم مسيرتك المهنية، قائداً عسكرياً يحمي جنوده بنفسه في اكثر المواقع خطورة.