Site icon IMLebanon

اجتماع «العمالي» – «الهيئات»: سحق العمال بعد الأجور

 

 

لم يخطئ يوماً من أطلق على الاتحاد العمالي العام وصف «اتحاد العمالة العام». فهذا النوع من العمالة قاد اقتصاد لبنان منذ ما بعد الحرب الأهلية، وأدّى إلى الكارثة التي نغرق فيها اليوم، وهي تتجلّى مجدداً عند كل أزمة، فيستضيف الاتحاد، أو يحلّ ضيفاً، على كتلة مصالح أصحاب العمل والرساميل المصرفية والتجارية التي تعادي الأجراء وعينها في أجورهم، من أجل «تشكيل الحكومة» لا من أجل تصحيح الأجور!

 

مضى أكثر من سنة على انهيار سعر صرف الليرة تجاه الدولار. قيمة الليرة انخفضت تجاه الدولار بنسبة 79%، بينما قيمة الدولار تجاه الليرة تضاعفت أكثر 395%. أما تضخّم الأسعار، فقد كان مرتفعاً جداً. خلال آب الماضي، سجّلت الاسعار ارتفاعاً إجمالياً بمعدل 120% مقارنة مع آب 2019. من ضمن هذا الارتفاع سجّلت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية ارتفاعاً بمعدل 367%، والألبسة والأحذية بمعدل 413%. وبمعزل عن تفاصيل هذه المؤشرات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي، إلا أنها تحمل دلالة لا لبس فيها عن تدهور معيشة المقيمين في لبنان واندثار رواتبهم بحثاً عن الغذاء الاساسي والضروري وعن ملابس لأولادهم وأحذية. في المتوسط بلغ ارتفاع الأسعار التراكمي خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الجارية 58%، أي إن من كان يتقاضى راتباً بقيمة مليون ليرة، صارت قيمته تساوي 420 ألف ليرة. بمعنى آخر، إن الحدّ الأدنى للأجور تقلّص إلى 283500 ليرة!

 

أما إحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فتشير إلى حجم الكارثة التي أصابت الأجراء في لبنان. فمن أصل 415 ألف أجير مصرّح عنه للضمان هناك16٫5% يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور، و37٫5% يتقاضون أقل من 900 ألف ليرة( صارت توازي 378 ألف ليرة)، و11٫8% يتقاضون أقل من 1٫1 مليون ليرة (صارت توازي 638 ألف ليرة). في المجمل، إن 86% من الأجراء المصرّح عنهم للضمان يتقاضون أقلّ من 3 ملايين ليرة. هذه الفئات سحقها انهيار سعر الصرف وتضخّم الاسعار الذي نتج عن توسّع مصرف لبنان في إصدار النقد قبل أن يقرّر بعد أشهر من هذه السياسة أن يعزّز انكماش الاقتصاد الذي ستكون تداعياته هائلة على الوظائف. أي بعد سحق الأجور والإفقار، بدأ العمل على سحق الأجراء وتحويلهم إلى عاطلين من العمل، باحثين عن الهجرة إن استطاعوا إليها سبيلاً.

في ظل هذه التطوّرات، لا يملك الاتحاد العمالي العام الذي تقوده «حفنة» من ممثلي الأحزاب، إلا إطلاق يد رئيس الاتحاد بشارة الأسمر، العائد حديثاً إلى رئاسة الاتحاد بعد عفو سلطات الطوائف عنه، لممارسة الضغوط جنباً إلى جنب مع الهيئات الاقتصادية، من أجل تأليف حكومة. أصلاً قد يكون وقت الاتحاد ضيّقاً ولا يتيح له الغوص في مسائل من نوع الأجور والعمال. فالمسائل المتعلقة بتأليف الحكومة تقع في صميم كيانه وتمثيله الوظيفي – السياسي.

في هذا الإطار، دعا الاتحاد زملاءه في هيئة التنسيق النقابية، ومشغّليه من أصحاب الهيئات إلى عقد اجتماع مشترك تحت سقف مطلب واحد: تأليف الحكومة. لم يذكر أيّ ممن شاركوا في الاجتماع كلمة «أجر» أو «راتب» أو أي كلمة أو عبارة موازية. وإلى جانب المطلب الأساسي المتعلق بتأليف الحكومة، كانت هناك سلّة «روتينية» لتزيين التصريحات. نقيب المحررين كان الأكثر وضوحاً، فأشار إلى أن «عنوان اللقاء الإسراع بتشكيل حكومة»، لكنه طالب بتوسيع العنوان ليشمل «رؤية حديثة تؤسس لنظام اقتصادي… لنرفع الصوت من أجل ولادة وشيكة لحكومة فاعلة ومقتدرة». النقيب ختم كلمته بما يراوده مباشرة: «إلزام المصارف بإعادة الودائع». لعلّه لا يعلم أن الأجراء ليس لديهم مدّخرات لاستعادتها، وإن كان لديهم فتات منها، فقد صرفوه لتعويض تورّم الأسعار.

بالتوازي، كان رئيس هيئة التنسيق نزيه جباوي يبحث عن «آذان صاغية تأخذ كلامنا على محمل الوجع». لكن أوجاع جباوي مرتبطة بمطلبه بـ«الاستقرار الاقتصادي» الذي لا يتحقق، لأن «كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة هو طعنة للوطن والمواطنين». يعتقد جباوي أن ما يجري مجرّد «دلع سياسي… غداً الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس للحكومة. عليكم تشكيل حكومة فوراً، وكفاكم تضييعاً للفرص والمبادرات التي تعمل على إنقاذ لبنان».

عن أي مبادرة؟ الأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا شمّاس، المشهور بـ«أبو رخوصة»، هو مفتاح الحديث عن المبادرة. فالاجتماع المشترك، بالنسبة إليه «وقفة ميدانية لقطع الطريق على الانهيار». كيف يمكن ذلك؟ «تنفيذ المبادرة الفرنسية، وفتح الملفات مع صندوق النقد الدولي، وإعادة إحياء مؤتمر سيدر، وإعادة إعمار ما دمّر في العاصمة، وكشركاء إنتاج وضع خطة شبكة أمان اجتماعي ترعى جميع اللبنانيين، لأننا لن نسمح بأن يجوع اللبنانيون».

 

الحدّ الأدنى للأجور تقلص إلى 283500 ليرة بعد تراكم وسطي لتضخّم الأسعار بمعدل 58% لغاية آب

 

 

الفرَج سيأتي مع القائد الأسمر. في كلمته يقول: «إننا نعيش فساداً سياسياً وأخلاقياً يقودنا إلى موت حتمي. وقد أصبحت الوزارات والأسماء والحصص أهم من مصير لبنان. ليتهم يعلمون ماذا يجري بالجياع والفقراء والبؤساء والمرضى. إنهم يعلمون ولا يكترثون»… يردّد الأسمر لوازم الخطابات عن الأحياء المدمّرة في بيروت وعن أجراس الانهيار التي تُقرع، وعن انهيار الدولة والهجرة. يقول الكثير مما لا يقع ضمن مسؤوليته، بل كل ما يقع ضمن وظيفته كممثل لأصحاب السلطة والنفوذ. يريد مكافحة مافيات الدواء والغذاء والاحتكار والتهريب، بينما، للعجب، هو يجلس معهم على الطاولة نفسها ويدعوهم إلى مؤتمرات مشتركة! ثم يطلق عشرات الـ«نعم» لمكافحة الفساد وهو يعمل لديهم!

ويختم كلمته بتحديد خطة تحرّك مشتركة (مع الهيئات) هدفها الضغط على المسؤولين لتأليف حكومة إنقاذ وإعمار المرفأ أولاً. ما يرد في الفقرة الثانية ليس مهماً.

يعكس خطاب الأسمر انغماساً من قيادات الاتحاد والهيئات في تأليف الحكومة، وهو أمر ضاغط فعلاً إلى درجة تفرض عليهم إغفال مسألة تصحيح الأجور. لم يجرؤ الأسمر حتى على مطالبة وزيرة العمل لميا يمين بدعوة لجنة المؤشّر إلى الانعقاد وتحديد مستوى الزيادة التي تعوّض التآكل في الأجور. هل يعلم الأسمر أن هذه اللجنة لم تنعقد منذ نحو 8 سنوات؟ دعوة اللجنة هي فرصة الأمل الوحيدة للأجَراء. لكن يبدو أن الأسمر وأصحاب الهيئات غرقوا في مسار تأليف الحكومات إلى درجة أنهم أغفلوا الضغط على الحكومة لتأليف اللجنة. فلجنة المؤشّر، بحسب وزيرة العمل لميا يمين، غير قائمة، لأن هيئة التشريع والاستشارات رأت أن تأليفها في هذه الظروف لا يقع ضمن «تصريف الأعمال». الأسمر ورفاقه من أصحاب الرساميل ينكأون الجراح بدلاً من الضغط عليها لوقف النزيف. هذا هو موقعهم الحقيقي.

 

الخارجية لاجراءات قضائية حول «نشاط اسرائيلي بغطاء دبلوماسي»

تعقيباً على التحقيق الذي نشرته «الأخبار»، امس، تحت عنوان «إسرائيليون ينشطون بغطاء دبلوماسي لبناني»، خاطبت وزارة الخارجية والمغتربين السلطات القضائية اللبنانية المختصة وطلبت منها «اتخاذ الاجراءات القضائية المناسبة حول ما ورد في المقال المذكور بالسرعة المرجوة»، بحسب بيان صادر عن الوزارة. وأضاف البيان أن الوزارة طلبت «الى سفارات لبنان المعنية ايداعها تقارير فورية تبيّن كافة المعلومات والوقائع والمستندات المتعلقة بما ورد في المقال المشار اليه».