“قلت: غداً تمنع السفن من الوصول إلى المرافئ غير الشرعية في الجيه والأوزاعي، فيقصفون المرافئ الشرعية في بيروت وجونيه (…) فيصبح حصارك لهم حصاراً لك.
قال: هذا إعلان حرب.
قلت: نعم! وماذا بعد؟
قال:إذاً الحرب.
قلت: هذا ما يطلبون، فهم يستدرجونك إلى حيث يريدون.
قال: فليكن.
قلت: هذا انتحار.
قال: أنا أريد أن أنتحر.
هذا الحوار دار بين رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون وبين النائب ألبير منصور (عضو كتلة الوفاء للمقاومة اليوم) في 11 آذار 1989 وأورده سعادة النائب في كتابه “الإنقلاب على الطائف” وصباح 14 آذار من العام نفسه بدأ التقاصف بين “الشرقية” و”الغربية” تحت عنوان يرقّص القلوب ويثير المهج: “حرب التحرير”. وجاءت النتائج بالفعل مريعة، لكنها أشعلت لدى محبي “الجنرال” مشاعر الكرامة والعزة والافتخار والبطولة.
سبق الحرب، وتحديداً في الشهر الأول من السنة 1989، اجتماع اللجنة العربية السداسية بالرؤساء عون والحسيني والحص في تونس للبحث في الإصلاحات وانتخاب رئيس للجمهورية. رفض “الجنرال” أي بحث قبل الإنسحاب السوري، ولقي موقفه المتشدد ترحيباً من الجمهور الوفي.
وفي خريف 1989 أقرّ اتفاق الطائف الذي رفضه العماد عون وشن العونيون حملة على النواب الموقعين عليه… ووصلت شرارة الغضب إلى بكركي فتولت مجموعة من العونيين تأديب بطريرك إنطاكية وسائر المشرق مار نصرالله بطرس صفير وقد لاحقته لعنات الجمهور الوفي حتى في يوم وفاته.
وفي مثل هذا اليوم، قبل ثلاثين عاماً انتُخب النائب رينيه معوض رئيساً للجمهورية اللبنانية، لكن العماد عون، استبق الانتخاب بحل مجلس النواب في 4 تشرين الثاني ولاقى الأمر ترحيباً حاراً من جمهوره الوفي، وفي 22 تشرين الثاني اغتيل معوض وانتخب الياس الهراوي خلفاً له، وأول المراسيم كان تعيين العميد الركن إميل لحود قائداً للجيش بعد ترقيته إلى رتبة عماد ووضع الرئيس الهراوي في أولوياته “إزالة التمرّد”. لم يعترف العماد عون بعملية الإنتخاب فمجلس النواب غير شرعي وكل سلطة منبثقة منه غير شرعية، وبطبيعة الحال لاقى موقف “الجنرال” صداه لدى الجمهور الوفي.
كان العام 1989، بحسب كل المؤرخين، من أسوأ الأعوام التي مرت على لبنان الحبيب، وعلى الرغم من كل الوقائع المؤلمة، فالجمهور العوني الوفي الجامع بين من عاش تلك الحقبة ومن لم يكن قد وُلد بعد، يحنّ إلى ذاك العام الذي غيّر مسار التاريخ، وبعضه يعتقد أن التاريخ ولد قبل هذا العام بأشهر قليلة.