إنه الجنرال الرابع والرئيس الثالث عشر لجمهورية لبنان الديمقراطية البرلمانية، ولشعب لبنان العظيم.
وفي الأنظمة الديمقراطية عادة، ليس هناك معبرٌ من الثُكْنة الى القصر، إلّا بعد ثورة أو حرب.
هكذا كانت رئاسة جورج واشنطن بعد الحرب الأميركية الثورية وقيادة انفصال بلاده عن بريطانيا.
وهكذا كانت رئاسة شارل ديغول الذي قاد مقاومة فرنسا لتحريرها من الألمان، مثلما كان حكم الجنرالات في روسيا والمانيا وإيطاليا وجنرالات الإنقلابات القياسية في سوريا.
وهكذا جاء الجنرال اللبناني الأول فؤاد شهاب بعد ثورة 1958.
لعل رئاسة الجنرال ميشال عون كانت هي أيضاً نتيجة حرب لبنانية باردة، أو ثورة دستورية حامية، أو هي انقلاب أبيض على خمسة جنرالات لبنانيين بأثواب مدنية، تبارزوا في تقديم الأضاحي للجنرال العسكري، على قاعدة مكره أخوك لا بطل، كمثْل من يقدِّم البخور على مذبح «الشرّ المقدّس».
لو لمْ يقدّم حزب الله «التضحية الكبرى» بالموافقة على سعد الحريري رئيساً للحكومة، لما كان العماد ميشال عون رئيساً.
ولو لمْ يُقْدِمْ الرئيس سعد الحريري على «المخاطرة الكبرى» مغامراً «بمستقبَله» وشعبيته «وسعوديته» لما فاز العماد عون بالرئاسة.
ولو لم ينقلب الدكتور سمير جعجع على نفسه أمام مفاجأة صادمة لما كان «مجبوراً» على التضحية بتأييد رئاسة العماد عون، وعند الرئيس نبيه بري الخبر اليقين.
ولم لمْ يقدّم الرئيس نبيه برّي التضحية بعدم تعطيل نصاب الجلسة الإنتخابية الرئاسية لما كان للعماد عون نصيب بالرئاسة.
ولم لم تتوافق السعودية مع إيران على معادلة «قلوبهم معك وسيوفهم عليك» لما كان الصبر مفتاح القصر.
نعم… بالإذن ممن يجاهرون اعتزازاً أو تمويهاً بأنه الرئيس الذي صنع في لبنان، نرطِّب أذهانهم بأنه صناعة تفاهم ذهني إيراني – سعودي فرضته حالة إنهيار سلطوي لبناني عارم، أصبحت معه الدولة اللبنانية المتهالكة رهينة مفاجآت تكفيرية قد يتحول معها الصراع السني – الشيعي في لبنان من صراع صامت الى صراع متفجّر، في ظل هواجس إنعكاسات معركة مدينة الموصل العراقية والتي لم تعد لقاءات الحوار البورجوازية بين تيار المستقبل وحزب الله تشكل الضوابط الواقية لعدم تحوُّل التشابُك باللسان الى تشابك بالحسام.
أياً تكن العلاقة المحمومة بين حزب الله وتيار المستقبل، فإنّ سعد الحريري بالنسبة الى خلفية العقل الواعي لدى إيران وسوريا وحزب الله هو النقيض الزاجر «لداعشية» التطرّف السني.
وأياً تكن العلاقة المترنّحة بين السعودية وسعد الحريري، فإن سعد الحريري هو النقيض الزاجر لتراخي الحضور السني في لبنان، والقادر وحده على تحقيق التوازن مع التضخّم الشيعي، بما يتمتع به من امتدادات شعبية أفقية على مدى الجغرافيا اللبنانية، لا تتوافر لغيره من الزعماء السنّة الذين يُختصر نفوذهم ضمن بيئتهم الضيقة… وإنه لمن سخافة العقل أن يتصور أحد أن السعودية يمكن أن تتخلّى عن ساحة لبنان السنيّة؟
هذه هي التطوارت والظروف التي شكَّلت حظوظاً متفوِّقة للعماد ميشال عون مرفوعاً على سدَّة الرئاسة، فأضحت رئاسة الجمهورية بميشال عون هي الإنقاذ الملحّ لجمهورية بلا عون وبلا رئيس.
ولا يستطيع ميشال عون الرئيس بما أوتي من عزم وما اكتسب من دعم إلا أن يقود إنقلاباً جمهورياً أبيض يحقق الامال والطموحات التي تعلِّقها عليه جماهير الجمهورية، وإلا فقد يسقط هو والجمهورية معاً في فراغ جديد.
وما دام الرئيس عون قد انتصح بالمثَل الفارسي القائل: «إذا صمَّمْتَ أن تكون مع «نوح» فلا تخف من الطوفان «فإن خير ما يحقق به أهداف النصيحة هو أن يقدّم له «نوح» حزب الله صورة عن كتاب الإمام علي بن أبي طالب الى الأشْتر النخعي والِيهِ على مصر… وهو أبرز خطابِ قسمٍ وبرنامج حكم يعتمده رئيس دولة ولا سيما في لبنان.