Site icon IMLebanon

الجنرال ينتقل إلى الخطة الأخيرة.. في المعركة الأخيرة

قد يكون ميشال عون هو أفضل من وصف ذاته حين قال إنّه لا يمكن توقع تصرفاته. فعلاً لا يزال الرجل قادراً على إحداث المفاجأة، على كسر التقليد والقائم، على الخروج عن السائد وقواعده المقفلة. هذا لا يعني أنه سينتصر حكماً في كل ما يقوم به، لكنه طبعاً قادر على ابتكار المبادرة من قلب العدم.

صحيح أنّه هدد مراراً وتكراراً أنه لن يوفر سلاح الشارع فيما لو حشره خصومه في الزاوية، وأنّه قادر على قلب الطاولة رأساً على عقب، لا بل هو مستعد لفعل ذلك إذا ما فرضت عليه الضرورة والظروف… ولكن التهديد والوعيد على المنبر شيء، واستخدام هذه الورقة «الملتهبة» شيء آخر.

هكذا، لن يهتمّ كثيراً للانتقادات التي ستوجه الى التحرك الشعبي على صعيد الحجم والقدرة على التعبئة، ولن يكترث لمن سيختصر حضوره الشعبي بعدد المتظاهرين من الشباب والكوادر البرتقالية. بالنسبة له هذا تفصيل بسيط لا يستدعي التوقف عنده. في حساباته صارت المسألة أبعد من لعبة الأرقام وقراءة أبعادها، مع أنه يبرع في استخدامها.

المهم، وفق المنظور البرتقالي، أنّ الحراك على الأرض تمكن من فرملة اندفاعة رئيس الحكومة ولجم حماسة «تيار المستقبل» لتخطي اعتبارات «تكتل التغيير والاصلاح» وأجندته.

ولكن الأهم، هو الغوص في سطور الخطاب المقتضب الذي ألقاه الجنرال بعد ظهر يوم «العودة الى الجذور»، والذي يكاد يوازي بأهميته مشهد الاشتباك السلمي الذي شهده شارع المصارف بين المتظاهرين والقوى الأمنية، وتحديداً المؤسسة العسكرية.

بالأمس، قال ميشال عون كلاماً نوعياً، تجاوز بمتنه كل السقوف التي سبق ورصفها مذ بدء المعركة الرئاسية وتربع فخامة الشغور على الكرسي الوثير، ليصير منافساً لكل المرشحين الموارنة.

أعلن الجنرال، وبتعابير واضحة لا لبس فيها أنّ الرئاسة صارت خلفه، وأن التسوية تبدأ من البرلمان وتنتهي ببعبدا، وبالتالي من خلال انتخابات نيابية على أساس قانون منصف يعيد الحقوق لأصحابها.

ماذا يعني هذا الموقف؟

يعني أنّ الرجل انتقل الى خطته الأخيرة في معركته الأخيرة، بعدما استنفد مخزون الخطط السابقة. عملياً هو يدرك تمام الإدراك أنّ الرئاسة محاصرة بنيران الاشتباك الإقليمي الذي يحول دون التقدم خطوة الى الأمام، ما يؤدي الى سجنها في قمقم الفيتوات المتبادلة. وبالتالي إنّ اللعب على وتر المتغيرات الاقليمية قد يتطلب وقتاً طويلاً من دون أن تكون النتائج مضمونة.

لهذا قرر الرجل تغيير قواعد اللعبة، لا بل الانقضاض عليها، ليقذف كرة الإرباك التي وضعها خصومه أمام مرماه، الى ملعب الآخرين. بالنتيجة هو يعلن من غير أن يقول أنّ المسار الدستوري للاستحقاق الرئاسي لم يعد مجدياً وليس بإمكانه أن يفي بالغرض، لا بل استهلك صلاحيته ولا بدّ من وصفة جديدة.. ومن الأفضل أن تكون انقلابية.

هكذا طرح العودة الى صناديق النيابة لاجراء انتخابات بعد إقرار قانون انتخابي يعيد المقاعد المقضومة الى أصحابها، على أن نبحث في مرحلة لاحقة بالرئاسة.

إذاً، من اعتقد أنّ الجنرال قد بلغ أعلى سقوفه حين وضع «الرنجر» في رجليه ليعود الى ساحة المعركة في الشارع، فهو لا يعرفه أبداً. إنها بداية «المشوار» كما أبلغ مناصريه الذي احتشدوا بعد الظهر في حديقة الفيلا الخلفية، وهو مشوار طويل.. لم تكن خطوة الأمس الا أولى «دعساته».

وأكد عون خلال مؤتمر صحافي من الرابية أنّ «اليوم كان يوماً تاريخياً بالنسبة لنا»، موضحاً اننا «ما زلنا ببداية تحركاتنا، وكل ما اخذ بالتآكل سيرجع»، مشدداً على أنّ «التعامل بقوة لن يثنينا».

وتوجه الى «الشعبة الخامسة في اليرزة» بالقول: «لماذا البيانات ولماذا تبرير ضرب الشعب، ولم اعلّمكم هكذا بكـتابة البيانات؟».

واضاف: «اتوجه الى الجميع مؤكدا ان اليوم لم يكن لدينا مسيرات وانما الحدث فرض نفسه علينا»، متسائلا «كم خطيئة ارتكبت بحق الدستور والقوانين المدنية والعسكرية؟ ولا يمكن ان لا ننزل الى الشارع لان من يقابلنا أولاد شارع ولا يمكن مواجهتهم الا في الشارع».

وشدد على ان «لا حق في التمديد للمجلس النيابي او التمديد في القيادة العسكرية، وهناك اجتهادات سيئة وخاطئة، ولا احد يعلمنا الدستور. وانتخابات الرئاسة تقام بتسوية وبرضى الجميع، لان المجلس النيابي غير شرعي، ولا يمكن تخطي مواد الدستور في طريقة ادارة مجلس الوزراء».

ولفت الى ان «قانون الانتخابات يجب ان ينفذ قبل انتخاب رئيس الجمهورية وقبل انتخابات مجلس النواب.. ولا يمكن بالنظام الاكثري ان نأخذ حقوقنا، ونأخذ حقوقنا بالديمقراطية، ولا اريد سماع من احد اتهامنا بتعطيل انتخابات الرئاسة».

وأكد أنّ «هناك مفاجاءات كثيرة، ومن لا يريد ان يمشي لا يمشي نحن مكفيين وموفيين»، موضحاً «لا اريد ان اتحدث عن حلفائي، والموضوع قضية مسيحيين، ونحن نريد حقوقنا. وقد حققنا ما نريده في جلسة مجلس الوزراء».