Site icon IMLebanon

تعميم رياض سلامة: خفّة حوّلت الكحل إلى عمى

   

آلية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتمويل استيراد المشتقّات النفطية والدواء والقمح بدت أمس غير قابلة للتطبيق، وتنطوي على ثغرات استغلّتها كارتيلات النفط والدواء والقمح (الخبز) من أجل التلويح بالإضراب والامتناع عن بيع السلع المذكورة في السوق المحلية… تعميم سلامة جاء ليُكحّلها فأعماها!

 

لم تمض ثلاثة أيام على إصدار مصرف لبنان تعميماً يحدّد آلية تمويل مستوردات المشتقات النفطية والدواء والقمح، حتى تبيّن أنها آلية لم تؤدِّ إلى حل الأزمة الناشئة عن ارتفاع سعر الدولار في السوق «الموازنة». فهذه الآلية أعدّها مستشاران لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، جاهلان بآليات الاستيراد، وأصدرها سلامة من دون أخذ ملاحظات لجنة الرقابة على المصارف التي لم يمضِ وقت طويل على إنجازها دراسة متعلّقة بالاعتمادات. فالآلية لا تنطبق على تجّار القمح والدواء الذين لا يستوردون عبر الاعتمادات المفتوحة بل بواسطة الدفع المسبَق والتحويلات المباشرة، فيما يعترض مستوردو النفط على أكثر من أربع نقاط أساسية تدفعهم إلى الامتناع عن بيع مخزونهم والتهديد بوقف الاستيراد… آلية سلامة قد تفتح الباب أمام أزمة مفتوحة مع ثلاثة كارتيلات لديها قدرات ”خارقة» وترفض التخلّي عن أي قرش من أرباحها لقاء تزويد السوق بالسلع الاستراتيجية.

 

لا يمكن مواجهة كارتيلات النفط والدواء والقمح ذات النفوذ الهائل بالخفّة التي اتّسم بها تعميم مصرف لبنان الصادر صباح الثلاثاء الماضي والرامي إلى تحديد آلية تمويل استيراد البنزين والمازوت والأدوية والقمح بالدولار. فبعد أقل من 72 ساعة، تبيّن أن التعميم ليس قابلاً للتطبيق بالنسبة إلى مستوردي القمح والدواء. بالنسبة إليهما، مصدر الخلل واضح جداً كون التعميم جاء لينظّم توفير الدولارات اللازمة لاستيراد السلع المذكورة عبر آلية الاعتمادات المستندية، وهي آلية مختلفة تماماً عن الآلية التي تتبعها هاتان الفئتان من المستوردين. فبحسب رئيس نقابة أصحاب المطاحن أحمد حطيط ”إن الآلية لا تنطبق علينا نهائياً لأننا ندفع قيمة القمح المستورد بتحويلات مصرفية للمورّد في الخارج قبل انطلاق الشحنة من الخارج». كذلك يشير رئيس جمعية مستوردي الأدوية كريم جبارة إلى أن ”معظم مستوردي الأدوية يدفعون ثمن المستوردات وفق التحويلات المصرفية وينظّمون عملية تسديد قيمتها على فترات قصيرة تصل إلى شهرين، لكن قلّة قليلة تتعامل وفق الاعتمادات المفتوحة عبر المصارف وليس عبر التحويلات».

المشكلة الثانية التي يشير إليها مستوردو القمح والدواء، أن التعميم فرض على المستوردين إيداع قيمة الشحنات مسبقاً لدى المصارف بمعدل 100% من قيمتها بالليرة اللبنانية و15% من قيمتها بالدولار. «هذا الأمر يرتّب علينا أعباء كبيرة، فنحن نقترض من المصارف لتسديد قيمة الشحنات السابقة، وكيف لنا أن نجمع 115% من قيمة الشحنات اللاحقة أثناء تسديد السابقة منها، علماً بأن تأمين 15% بالدولار أمر يدفعنا إلى شراء الدولارات من السوق بالأسعار المتداولة، ويزيد علينا الكلفة فيما السلع النهائية (الخبز) تسعّرها الدولة»، يقول حطيط.

هذه المشكلة تتفاقم أكثر لدى مستوردي الدواء الذين يستوردون بما قيمته 1.3 مليار دولار وفق إحصاءات الجمارك، وبالتالي فإن تطبيق هذا الشقّ من التعميم، أي تأمين الدفعات المسبقة وتجميدها لدى المصارف ”يتطلب زيادات كبيرة في رأس المال أو توسيع الإمكانات المالية إلى حدود ليس بمقدور غالبية مستوردي الأدوية بلوغها». كذلك يُضاف إلى هذه الثغر الجوهرية في التعميم، قصة تتعلق بالمخزون الذي استورد في الفترة التي سبقت صدور التعميم ولا يشملها، فبأي عملة يُدفع ثمنه، وكيف يتم تأمين العملات بالسعر المحدّد من قبل مصرف لبنان؟

رغم هذه الخفّة في التعامل مع مفاصل أزمة شحّ الدولار، فإن جبارة على عكس عدد آخر من مستوردي الدواء، يرى أن التعميم «يفتح باب إدخال تعديلات عليه لتحسينه وتأمين الغرض منه»، فيما يقول آخرون إنه ”تعميم صادر عن مجموعة جهلة وهو تعميم خنفشاري».

توقّعات جبارة عن إجراء تعديلات على التعميم تخدم الغرض منه، ليست مبنية على أي معطيات ولا سيما أن مشكلة مستوردي الدواء مع شحّ الدولارات بدأت قبل أكثر من عشرة أشهر حين وجهت النقابة كتاباً رسمياً إلى مصرف لبنان بهذا الشأن من دون أي إجابة ولا أي تفاعل من قبَل «المركزي». وعندما رفع مستوردو القمح صوتهم ”لم يتكلم معنا أحد حتى الآن مع أننا ننوي الإضراب»، يقول حطيط.

ما حصل مع مستوردي القمح والدواء تكرّر مع مستوردي المشتقات النفطية. «فعلى رغم التهديد بالإضراب وتراجُعنا عنه في مقابل انتظار صدور الآلية، إلا أن مصرف لبنان رفض التشاور معنا وأصدر آلية ليست مبنية على دراسة عمليات الاستيراد. فضّل مصرف لبنان أن يكون تعاملنا محصوراً بالمصارف»، بحسب أحد مستوردي النفط. ويتحدّث هؤلاء عن صراع مع المصارف على من يتحمّل كلفة العمولة بمعدل 0.5% من قيمة كل اعتماد يتم فتحه فرضها مصرف لبنان مقابل تأمين الدولارات.

«المصارف تريد تحميل المستوردين هذه الكلفة التي تصل إلى 13 سنتاً على كل طن نستورده (بعض المستوردين يشيرون إلى أن الكلفة تصل إلى 300 ليرة على كل طن)، وبالتالي نحن نطالب بتحميلها للمستهلك عبر جدول تركيب الأسعار. هذه الكلفة ستأكل قسماً كبيراً من أرباحنا، ونحن تجار ولسنا جمعيات خيرية بل نوظّف أموالاً مقابل عائد»، يقول أحد كبار مستوردي النفط. وتشير مصادر مطلعة إلى أن وزيرة الطاقة ندى البستاني رفضت إعادة النظر في جدول تركيب الأسعار وتضمينه زيادة الأكلاف المترتبة على المستوردين جرّاء هذه الكلفة الإضافية.

أما مسألة المخزون المستورَد، فهي أساسية بالنسبة إلى مستوردي المشتقات النفطية. «ثمة مخزون استورده تجار النفط بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار، وإذا أردنا أن نبيعه بالدولار فلن يشتري الموزعون ولا أصحاب المحطات نظراً لعدم قدرتهم على تأمين الدولارات إلا بالسعر المتداول لدى الصرّافين الذي وصل إلى 1620 ليرة مقابل كل دولار. وإذا أردنا بيعه بالليرة، فسيرتّب علينا خسارة كبيرة»، وفق تاجر النفط نفسه.

 

المُستورِدون يرفضون التنازل عن أيّ قرش من أرباحهم في عين الأزمة

 

إزاء هذا الواقع، بات واضحاً أن مصرف لبنان تعامل مع مسألة تأمين الدولارات بلا تحضير جدي يضمن عدم انعكاس أزمة الدولارات على السلع الاستراتيجية. إذ تشير مصادر معنية إلى أن مستشارَي سلامة اللذين أعدّا هذا التعميم، ليست لديهما معرفة كافية بآليات التجارة والاستيراد، فأحدهما يعمل مستشاراً للحاكم في مجال الأسواق المالية والثاني يعمل مستشاراً قانونياً. كما أن اطّلاع رئيس لجنة الرقابة على المصارف على التعميم قبل صدوره، بحسب مصدر مطلع، لا يعني أن اللجنة وضعت ملاحظاتها عليه، وهي التي أنهت قبل فترة قريبة دراسة عن الاعتمادات المستندية في المصارف ولديها القدرة على تحديد مكامن الخلل في التعميم وتحسينه انطلاقاً من هذه الدراسة فقط.

أما تعامل أعضاء الكارتيلات الثلاثة مع التعميم ورفضهم أن يتحمّلوا أي قرش من أرباحهم لتكريس انتظام دخول السلع الاستراتيجية إلى الأسواق المحلية، فيشي بأنهم لا يدركون حقيقة الأزمة التي يمر فيها لبنان ومحدودية السياسات النقدية في مواجهة الأزمة ”الكبيرة والخطيرة».

 

 

إنذار ما قبل الإضراب

قررت نقابة أصحاب المحطات ونقابة أصحاب الصهاريج وموزّعي المحروقات الإضراب يوم الاثنين، ما لم تسفر الاتصالات الجارية عن حلول ترضي العاملين في القطاع. جاء هذا القرار إثر اجتماع الجمعية العمومية لأصحاب المحطات، أمس، بحضور رئيس النقابة سامي البراكس ورئيس نقابة أصحاب الصهاريج ابراهيم سرعيني وممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا. الجمعية تخلّلها الكثير من النقاشات، إذ كان هناك فريق يدعو إلى الإضراب اليوم، وهناك فريق آخر يشير إلى ضرورة ترك ”مخرج“ لمصرف لبنان والسلطة السياسية لإيجاد الحلّ وإجراء تعديلات على التعميم تتوافق مع مطالب المستوردين وأصحاب المحطات.

في الإطار نفسه، قال رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران في لبنان كاظم إبراهيم، إن «الوضع النقدي الذي أثّر سلباً على عمل المخابز والأفران وبات صعباً على أصحاب هذه المؤسسات تسديد المستحقات المترتبة عليهم بالدولار الأميركي بسبب فقدان هذه العملة من الأسواق… قد يدفع أصحاب الأفران إلى التوقف القسري عن العمل».

 

محطات في استيراد السلع المشمولة بالتعميم

– قالت مصادر مطلعة إن شركة «مدكو» المتعاقدة مع الجيش اللبناني لتزويده بمادة البنزين أوقفت توريد هذه المادة لأن الجيش يدفع بالليرة اللبنانية.

– تملك أكبر خمس شركات استيراد للمشتقات النفطية نحو 25% من محطات المحروقات، ما يعني أن أي إضراب ينفذه أصحاب المحطات هو خطوة من المستوردين أنفسهم.

– يقول مستوردو القمح إن المخزون في لبنان تقلص إلى ما يكفي لنحو شهر ونصف شهر كحدّ أقصى، وإن وصول كميات إضافية يتطلب مدّة مماثلة لتصل الشحنة إلى لبنان.

– إن الاعتمادات المستندية للاستيراد هي بمثابة ضمانة مصرفية يحصل عليها المورّد في الخارج مقابل موافقته على إرسال الشحنة إلى مقصدها، على أن تكون فترة التسديد لاحقة وتصل إلى 180 يوماً.

– إن آلية التحويل المصرفي مقابل الاستيراد تعني أن المستورد يحوّل الأموال مباشرة للمورّد في الخارج، ويختلف الأمر بين مورّد وآخر في الفترة الزمنية الفاصلة بين التحويل وإرسال الشحنة.