رغم مؤشرات تسليم الولايات المتحدة روسيا ملف المفاوضات السورية المقرر انطلاقها غدا الجمعة في جنيف، لا يبدو النجاح مضمونا في ظل استمرار الخلاف بين طرفي التفاوض على امور اساسية من ابرزها حل سياسي يستند الى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تريدها المعارضة، او حكومة وحدة وطنية يسعى النظام الى فرضها.
فعلى غرار المؤتمرات السابقة ينطلق «جنيف 3» وسط خلاف مستمر على مصير بشار الاسد الذي بقي الخلاص منه محسوما ضمنا في بند تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، فيما غلف المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا هذه النقطة، في نص دعوته اطراف المعارضة، بضبابية عندما تكلم عن «اقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على اسس طائفية».
صحيح ان روسيا نجحت عبر الضغوط العسكرية في استعادة ميزان القوى الميداني لصالح النظام لتغيير ميزان التفاوض، بحيث باتت كل محافظة اللاذقية تحت السيطرة اضافة الى تقدم في ريفَي درعا وحلب وربما ادلب قريبا. لكن ذلك لا يشكل، بنظر ديبلوماسي لبناني سابق، ضمانة ان لا يلقى المؤتمر الذي ينظمه دي ميستورا مصير مؤتمري جنيف السابقين الذي رعى اولهما كوفي انان وثانيهما الاخضر الابراهيمي، اضافة الى المؤتمرات التي رعتها موسكو على ارضها من دون ان تتمكن من حصد اي نتيجة.
فالنقطة الوحيدة التي تصب في صالح جنيف 3، وفق المصدر نفسه، هي تعب كل الاطراف من شراسة الحروب.
فعلى ما يبدو تركت الولايات المتحدة قيادة الامر لروسيا بسبب استعجال الطرفين بت المسألة السورية عبر حل سياسي بعد ان ظهر بوضوح استحالة الحل العسكري، وإن لاسباب مختلفة. فالرئيس الاميركي باراك اوباما يريد ان يسجل انجازا ما قبل انقضاء عهده. ويذكر المصدر بخطأ الاميركيين في تسرعهم باستبدال صدام حسين من دون تأمين البدائل المعقولة، ويلفت الى ان تشدد اوباما في عدم الوقوع في خطأ مماثل اوقعه في خطيئة التلكؤ باستبدال بشار الاسد. اما الروسي فلاديمير بوتين فهو يريد التفرغ لمواجهة اوضاعه الاقتصادية الصعبة والتخلص بسرعة من حجم التكاليف الباهظة لتورطه العسكري في سوريا.
فقد تلكأت الولايات المتحدة بمدّ المعارضة بالاسلحة المناسبة وحالت دون قيام حلفائها الاقليميين بذلك بذريعة الخشية من وقوعها في يد «الارهابيين» بما فتح الباب واسعا امام مزيد من التدخل الايراني اولا وامام التدخل العسكري الروسي لاحقا. وحاليا هي على مواقف مربكة. ففيما حذر وزير خارجيتها جون كيري المعارضين الذين التقاهم الاسبوع الماضي في الرياض من خسارة حلفائهم اذا لم يلتحقوا بـ»جنيف 3» من دون اشتراط تركيبة المفاوضين، والذي بدا رضوخا للموقف الروسي، اوضح مبعوثها الخاص مايكل راتني ان «الهيئة العليا» التي افرزها مؤتمر الرياض هي الموكلة بالتفاوض فيما يحق لدي ميستورا مجرد «التشاور» مع اية جهة اخرى وهي التي ستتمثل بالمعارضين الذين اصرّت موسكو على التحاقهم والذين تمّت دعوتهم بصورة فردية لا كوفد مفاوض، اضافة الى تأكيد انحياز بلاده لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات.
اما روسيا التي تتوسع بممارسة الضغوط، وهي منذ بدء عملياتها العسكرية الى جانب الاسد اواخر ايلول الماضي باتت طرفا لا وسيطا، فقد اظهرت مرونة ما لتسمح بانعقاد المؤتمر. فقد سبق لها ان اشترطت مشاركة رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم ثم تنازلت، خصوصا وان تركيا والهيئة العليا ترفضانه لانه تعاون علنا مع جيش النظام في تشكيل قوات الحماية الكردية. كما اصطف وراء موسكو هيثم مناع الذي ربط قبلا مشاركته بحضور هذا المكون الكردي. وطاولت الليونة في نقاط ما النظام الذي رفض اولا مشاركة «جيش الاسلام» و»احرار الشام» ثم وافق على ان لا يكون الحوار مباشرا.
ويبقى السؤال عما اذا كان هدف هذه التحركات مجرد انعقاد المؤتمر ام وصوله الى نتائج ايجابية. فهو اذا ما انتهى الى تكريس معادلة منتصر ومهزوم سيجر المنطقة بالتأكيد الى تجذر التطرف.