Site icon IMLebanon

«جنيف3» يعكف على مصير الأسد

إن الذي يسعى إلى الحل السياسي وتسهيل التوصّل إليه لا يطلق العنان لطائراته الحربية ومروحياته العسكرية لتمعن قصفاً بالصواريخ والبراميل المتفجرة في حلب وريفها. فبشار الأسد الذي يفاوض في جنيف الآن مع المعارضة لم تصدر عنه أي دلائل جدية تشير إلى نية فعلية لديه للدخول في تسوية سياسية عادلة للأزمة السورية، بل على العكس من ذلك تماماً، فالوقائع الميدانية المدعمة بالتصريحات الصادرة عن مراجع إيرانية وروسية تدل على أن معركة ضارية وشيكة في حلب وريفها هي قيد الإعداد وقوامها الطيران الحربي الروسي وقوات النظام وحلفاؤه من مقاتلي حزب الله اللبناني وسائر الميليشيات الشيعية الأخرى وكذلك قوات إيرانية جديدة جرى استقدامها في الأسبوع الماضي والمسماة لواء كومندوس 65 بالإضافة لقوات نظامية إيرانية أخرى، هذا علاوة على قوات الحرس الثوري الإيراني المتورطة في القتال منذ السنة الثانية للحرب.

الأخطر من هذه الوقائع الميدانية هي التصريحات الرسمية الروسية الصادرة سواء عن قائد العمليات العسكرية الروسية في هيئة الأركان العامة سيرغي رودسكوي أو العضو البارز في الدوما الروسية ديمتري سابلين، والتي تشير إلى اعتزام موسكو تقديم الغطاء الجوي الضروري لقوات النظام وحلفائه في معركة حلب المرتقبة. وتعزيزاً منه سواء للتصريح العسكري الروسي من موسكو أو لأحد أعضاء وفد الدوما الذي يزور دمشق، فإن رئيس الحكومة الأسدي وائل الحلقي يؤكد استكمال الاستعدادات الروسية الأسدية لخوض معركة حلب.

إن الجانب السياسي والتداعيات السياسية لهذه المواقف الميدانية هي التي تهم الرأي العام العربي الذي ما إن أبدى ارتياحاً لعقد هدنة جديدة بين القوات الحكومية الشرعية والمقاومة الشعبية اليمنية من جهة وقوات الحوثيين صالح من جهة أخرى، وقبول الوفد الحوثي ببنود ورقة العمل في مفاوضات الكويت، حتى أصيب بخيبة أمل جديدة من جراء مقدمات اشتعال الحرب مجدداً في شمالي سوريا واحتمال سقوط الهدنة الهشّة التي تواكب مفاوضات جنيف 3. فعلى إيقاع المفاوضات يستعد بشار لاقتحام حلب.

إن ما تتناقله الأوساط الدولية حول الأهمية القصوى للنقطة التي سيدور حولها النقاش ابتداء من 13 نيسان (أبريل) في ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية في مفاوضات جنيف3 هو بحق النقطة المركزية قياساً بالنقاط الأخرى التي بالإمكان وصفها بأنها ثانوية. المرحلة الانتقالية! المرحلة الانتقالية تعني ثوابت واضحة بالنسبة للمعارضة السورية، وتعني في المقابل مفهوماً آخر بالنسبة لبشار الأسد ووفده المفاوض.

بديبلوماسية السلحفاة يشير ستيفان دي ميستورا إلى أهمية هذه النقطة في مفاوضات جنيف 3 ويسميها «الانتقال السياسي» والتي عليها أن تحدد مبادئ الحكم الانتقالي ودستورها. وفي هذا الصدد سارع لزيارة دمشق وطهران بعد زيارته موسكو في مرات سابقة. وزير خارجية النظام الأسدي وليد المعلم بدا في تصريحه متحفظاً مع تأكيده على أن الجولة الراهنة الحالية في المفاوضات ستكون بالغة الأهمية إلا أنه في المقلب الآخر في طهران كان الموقف حاسماً ومتشدداً إذ صرّح مسؤول بارز إيراني أن بلاده رفضت طلباً أميركياً بالحصول على مساعدتها في حمل الأسد على ترك السلطة قائلاً إنه يتعين أن يكمل فترة ولايته وأن يُسمح له بخوض انتخابات الرئاسة «مثله مثل أي سوري». وكان علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية أكثر وضوحاً. ففي تصريح له للتلفزيون الإيراني الأحد في 10 نيسان (أبريل) الحالي يقول: «إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري طلب من إيران المساعدة في حمل بشار على ترك السلطة»، مضيفاً «يتعيّن علينا أن نسألهم (أي الأميركيين) ما شأنكم أنتم بذلك؟ أليس من حق الشعب السوري أن يختار؟»، مضيفاً أيضاً «من وجهة نظر إيران يتعين أن يتبقى بشار الأسد وحكومته كحكومة قانونية ورئيس قانوني حتى نهاية فترة ولايته وأن يتمكن بشار الأسد من المشاركة في الانتخابات الرئاسية مثله مثل أي مواطن سوري. وشروطهم المسبقة المتعلقة برحيل بشار تمثل خطاً أحمر بالنسبة لنا».

لا أوضح ولا أبلغ من هذه التصريحات الإيرانية وبالفم الملآن حول مستقبل بشار الأسد. فقد بلغنا والحالة هذه المنعطف البالغ الخطورة والأهمية في مفاوضات جنيف3. فمصير بشار الأسد هو بيت القصيد وهو النقطة المركزية الملتهبة. وهذه التصريحات تذكرنا كثيراً بتصريحات روسية في غالبيتها كانت تأتي على لسان سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا قبل التدخل العسكري الروسي المباشر. وقد ساد اعتقاد في الأوساط الدولية بعد التدخل الروسي الجوي وتكريس تحويل مرفأ طرطوس إلى قاعدة عسكرية روسية ومطار حميميم الاستراتيجي بدوره إلى قاعدة جوية روسية ناشطة أنه ما دام الروس قد حصلوا بموافقة إيرانية ضمنية على مكاسبهم فإن أي مباحثات سرية بينهم وبين واشنطن قد تفسح في المجال أمام ممارسة موسكو ضغوطاً معينة لحمل الأسد على التنحي. وكانت ذروة الارتياح الدولي عندما قام الروس بانسحابهم التكتيكي من سوريا، بل بلغ التفاؤل حداً بعيداً عندما أعلنت موسكو وواشنطن وقف إطلاق النار والهدنة الضرورية كي تبدأ مفاوضات جنيف 3 في ظل حد أدنى من تراجع حدة القتال في سوريا وذلك بصرف النظر عن متابعة قوات النظام وحلفائه (حزب الله بالأخص) حصاد العديد من البلدات والقرى في ريف دمشق وحمص ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأهالي المحاصرين.

المتابع المدقق للأنباء التي ترد من طهران حول تسليم موسكو لطهران الدفعة الأولى من منظومة صواريخ «إس-300» الروسية المتطوّرة والتي أعلنت عنها طهران منذ أيام ثم عادت لتتحفّظ حول الأنباء، فباستطاعته حتماً العثور على الأجوبة الواضحة في تصريح مدير مركز تجارة الأسلحة العالمية في موسكو الذي يشير فيه أن تسليم موسكو طهران الصواريخ يمهد لاستئناف التعاون العسكري بينهما في شكل كامل. لأن طهران لن تقف عند شراء منظومات أس-300 فحسب، بل إن إنشاء نظام شامل للدفاع الجوي الإيراني سيحتاج إلى شراء منظومات صواريخ مضادة للطائرات متوسطة وقصيرة المدى ومعدات أخرى… إلخ… أي بعبارة أخرى إن موسكو التي توقف تدخّلها العسكري الجوي عند حدود معينة، وهي التي بتدخلها الفعّال قد أسدت خدمات جلّى للنظام الأسدي فعدّلت كثيراً ولمصلحته في ميزان القوى القائم عشية تدخلها وكانت آنذاك أوضاع النظام الميدانية في حالة بائسة، تطلب الآن أثماناً كبيرة من طهران مقابل مساعدتها قوات النظام وحلفائه في معركة حلب، ذلك أن صفقة صواريخ أس-300 تظل ناقصة ويعتريها الخلل إن لم تستكمل بصفقات أسلحة دفاع جوي ومنظومات دفاعية أخرى كما يشير المسؤول الروسي. فالموقف الروسي من تنحي الأسد ليس موقفاً مبدئياً صرفاً أو بحتاً بل له شق وجانب تجاري مالي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسوق الإيرانية لشراء الأسلحة الروسية. فما دام المتشددون الإيرانيون وعلى رأسهم الحرس الثوري هم أصحاب الكلمة الفصل ما زالوا في الساحة الإيرانية، بتطلعاتهم الخارجية ونهج الهيمنة على المنطقة، فعليهم والحالة هذه شراء المزيد من السلاح الروسي المتطور، خصوصاً مع توفّر الأموال بالقطع النادر بعد توقف غالبية العقوبات.

إن التصلّب الإيراني وعودة سياسة التشدد سيرخي بظلاله على مفاوضات جنيف3، وقد يدفع بهذه المفاوضات إلى حائط مسدود وإلى تعطيل آخر جديد ستكون له تداعيات سواء على الساحة السورية أو الإيرانية، هذا في ظل هدوء نسبي لحرب اليمن حيث تلوح مجدداً ملامح حل وفاقي قريب.