الطريق الى جنيف-٣ يمر في عواصم ١٧ دولة هي مجموعة فيينا وبالطبع في مواقع ومدن وبلدات وحتى أحياء في سوريا. وليس خارج التوقعات أن تمارس الأطراف سياسة رفع السقوف والتهديد بالامتناع عن السير على الطريق. ولا خارج الوقائع أن يخرج الروس والأميركان من اجتماعاتهم التمهيدية مختلفين على الشكل ضمن التفاهم على الجوهر. حتى اللا مألوف في التفاوض على تسوية سياسية، وهو تركيب وفدين منفصلين للمعارضة مقابل وفد النظام، فإن موسكو تريد أن تجعله مألوفاً، لأنه الشكل الوحيد الذي يضمن تمثيل معارضين تدعمهم وآخرين تضع فيتو على تمثيلهم دول اقليمية. وما يساعد الروس هو رهان الرئيس باراك أوباما والوزير جون كيري على دور موسكو السياسي في التأثير على دمشق بقوة الدور العسكري، وحاجة الرئيس فلاديمير بوتين الى تسوية سياسية تضمن له ثمار العملية العسكرية.
لكن الأصعب من الطريق المتعرج الى جنيف-٣ هو الطريق من جنيف-٣. فلا شيء يضمن التوصل الى تسوية أو أقله الى تفاهم على المرحلة الأولى من خارطة طريق يحتاج عبور محطاتها الى ١٨ شهراً. لا كون مرجعية التفاوض مدوّنة في مجلس الأمن بالاجماع على القرار ٢٢٥٤ الذي رسم أساس التسوية ضمن خلطة بين بيان جنيف-١ وبيان فيينا-٢. ولا كون المفاوضات التي تدور بين سوريين أمضوا خمس سنوات في صراع سياسي وعسكري، تدار بحسابات المصالح الاستراتيجية للكبار الذين يريدون ترتيب نهاية معقولة ومقبولة لأكبر لعبة جيوسياسية تنخرط فيها القوى الاقليمية.
ذلك ان المشهد في الاقليم اليوم يختلف عما كان عليه عام ٢٠١١ عندما بدأت ثورات الربيع العربي. ومشهد الصراع عام ٢٠١١ بين طرفين هما النظام والمعارضة طغى عليه تعدد الأطراف والأدوار والمشاريع في حرب سوريا. فالنظام ليس كما كان، وإن عجز المعارضون عن اسقاطه. والمعارضون لم يعودوا وحدهم الطرف الآخر في الصراع. النظام صار له شركاء هم الروس والايرانيون وحزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية وباكستانية. والمعارضون صار لكل فصيل منهم داعم اقليمي بالمال والسلاح، واندفع ارهابيون من ثمانين بلداً للقتال في سوريا. والسيطرة على الأرض توزعت بين النظام ودولة الخلافة الداعشية وإمارة جبهة النصرة التابعة للقاعدة ومجموعة إمارات سلفية ترفض أية تسوية. لكن وصفة العلاج هي الوصفة القديمة نفسها، بصرف النظر عن الاشتراكات المتعددة والخطيرة في المرض.
والسؤال هو: ماذا لو اتفق النظام والمعارضون على التسوية؟ كيف يطبقونها فوق أرض بسيطر عليها سلفيون ارهابيون ساهم أكثر من طرف في صنعهم أو تكبيرهم؟
ومَن قال إن نهاية حرب سوريا لها سيناريو واحد؟