عملية توثيق للمواقف، هي أدق ما يمكن أن توصف به مشاورات المبعوث الدولي لحلّ الأزمة السورية ستيفان دوميستورا في جنيف، حيث يلتقي يومياً وفوداً من أكثر من 40 جهة سورية وإقليمية ودولية دُعيت تبعاً لتأثيرها في الواقع السوري أو للافادة من آرائها في سبل الحلّ السياسي للأزمة التي تزداد عنفاً وعسكرة.
الحرّاس عند باب قاعة المشاورات في مقر الامم المتحدة في جنيف لا يفارقونه، في اشارة الى استمرار اللقاءات، داخل القاعة المعزولة تماماً عن الصحافيين، بين دوميستورا والوفود المشاركة، كان آخرها امس لقاء جمعه بسفيرَي الكويت والجزائر في الامم المتحدة، جمال الغنيم وبودجمنا دلمي، وشخصيات معارضة وأعضاء من المجتمع المدني السوري لم يحدّدها بيان دوميستورا الذي وُزع امس على الصحافيين، واكتفى بالقول في بيانه إنّ «هذا النهار أتاح لي فرصة أخرى لأستمع إلى أفكار حول سبل إنهاء النزاع في سوريا، وما هو مطلوب على وجه السرعة الإرادة السياسية لدى الأفرقاء السوريين والإقليميّين والدوليّين لإيجاد حلّ يلبّي تطلعات الشعب السوري الذي يتحمّل ويلات هذا النزاع كل يوم».
وقال مصدر ديبلوماسي في جنيف «إنّ دول الخليج التي دعيت جميعها الى لقاءات دوميستورا ما عدا البحرين التي تعاني من أزمات داخلية لا تختلف بالمبدأ عما تعانيه سوريا وإن اختلف حجمها». وأشار الى أنّ دعوة الكويت «تمّت على أساس دورها الفاعل في مؤتمر الدول المانحة الذي قدم للشعب السوري عبر المنظمات الدولية مساعدات أساسية، أما الوفود الاخرى فقد يكون لها رأي في ما يحدث أو اقتراحات للتوصل الى حلول».
واستبعد المصدر توصّل هذه المشاورات الى نتائج ملموسة «لأنّ دورها يقف عند تحديد مواقف المشاركين وتوثيق آرائهم استعداداً لنشر تقرير مفصل للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولا يشتملُ توجيه هذه المواقف في اتجاهات معينة أو جمع الاطراف الى طاولة حوار واحدة».
وأضاف أنّ «البحث الآن ما زال بالامكانات المتوافرة وحول مدى استعداد الاطراف للحلّ السياسي، وقد يكون للاتفاق النووي نهاية حزيران دور في حسم كثير من المسائل وتحديد مسار الازمة السورية، وكما كان لبعض الدول كعُمان دور سرّي في المفاوضات النووية قد يكون لها دور ايضاً في المفاوضات السوريّة في اعتبارها دولة وسطية ذات علاقة طيبة مع كلّ الاطراف، خصوصاً أنّ السفير العماني التقى دوميستورا منذ يومين».
وقد تمحورت لقاءات دوميستورا مع الدول الاقليمية المؤثرة حول الدور الذي يمكن أن تلعبه في تخفيف حدة التوتر ووقف الدعم الذي يتلقاه التنظيمان الارهابيان- من وجهة نظر الامم المتحدة- وهما «الدولة الاسلامية» و»جبهة النصرة». وأشار دوميستورا في تصريح سابق الى أنه «لا يمكن أن يكون هناك أيّ عذر للتقاعس عن العمل في مواجهة استمرار المعاناة السورية والاعتداءات التي تقوم بها القوى المتطرّفة في سوريا».
ولا يبدو أنّ مشاورات دوميستورا حملت للسوريين الذين التقوه خلال الاسبوعين الماضيين شيئاً من التفاؤل، وتشير مصادر قريبة من المفاوضات الى أنّ السوريين الخارجين من اجتماعات دوميستورا طُرحت عليهم اسئلة كثيرة حول تقديراتهم لقوة النظام ومدى الدعم الذي يلقاه لدى الشعب السوري وقدرته على الاستمرارية.
وتقول مصادر متابعة في جنيف إنّ «انسحاب الائتلاف السوري المعارض والفصائل الثلاثين، وأكبرها «جيش الفتح» الذي تكوّن أخيراً من مجموعات متطرفة قريبة من «جبهة النصرة»، من المشاورات، جاء نتيجة طبيعية للتغييرات الميدانية في كلٍّ من الشمال والجنوب السوريَين والاعتقاد بأنّ النظام بات في حكم الساقط، إذ تتطلّع الاطراف الرافضة المشاركة الى مؤتمر الرياض الذي دعت اليه السعودية خلال النصف الاول من الشهر المقبل لاعادة تنظيم المعارضة السورية بشقّيها السياسي والعسكري تحضيراً لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري».
وفي هذا الاطار عُلم أنّ الائتلاف السوري سيكون الرافعة الرئيسة للمرجعية السياسية للقوة العسكرية السورية المنضوية تحت لواء «جيش الفتح» والتي ستتكوّن بعد مؤتمر الرياض بعد إضافة قوى وشخصيات معارضة سورية من خارج الائتلاف.