IMLebanon

باب.. جنيف!

ربما الصدفة وحدها جعلت افتتاح اجتماعات جنيف ــ 4 متزامنة مع فتح «الجيش السوري الحر» بدعم تركي حاسم، مدينة الباب في الريف الحلبي وطرد «داعش» منها.

والصدفة في كل حال، «خير من ألف ميعاد»، سوى أن الأمر هذه المرّة، يبدو مرسوماً سلفاً وبعناية مميّزة لإبقاء شيء من التوازن المطلوب راهناً، تبعاً لمنع (أو إستحالة) الحل العسكري. ثم تبعاً لمقتضيات تقطيع الوقت بنسبة معقولة من الهدوء بانتظار وصول قطار الحل الى محطته الأخيرة.

وتلك المحطة لا تزال بعيدة.. لكن الشطط الإيراني – الأسدي قريب ومتوتر ومستعجل! ولا بدّ بالتالي من ضبط الإيقاع: الآستانة بعد حلب. وجنيف مع الباب! وفي الأمرين إنكسار للمعنيين وانتصار في الوقت نفسه.. لا العين الوقحة المفتوحة على الآخر لبشار الجعفري تظلّ على فجورها. ولا العين المكسورة للمعارضة تبقى على انكسارها!

صحيح أنّ حلب أكبر من الباب. لكن المساحة في السياسة مطّاطة مثل السياسة وليست رقماً جغرافياً لا يُناقَش ولا يُجادَل. والأمر نفسه في قواميس معظم الحروب: بلدة صغيرة توازي في معركة ما مدينة كبرى. ومعبر واحد يقصم ظهر مدينتين كبيرتين. وتلّة واحدة جرداء توازي عمراناً عسكرياً واسع النطاق.. الخ.

وكذا الحال في لعبة التفاوض خصوصاً إذا كان المطلوب أن لا تنتهي قريباً. وخصوصاً أكثر، إذا كان المتحكّمون بها هم مجموعة حكّام شبه متساوين وليس حكماً واحداً يزمّر بصفّارته على ذوقه وقياسه وحالته.

أكثر من ذلك. تدخل المعارضة الى جنيف وفي يسراها ما يدعم الذي في يُمناها. ميدانياً وسياسياً، إقليمياً ودولياً.. تعود الى طرح قضية الانتقال السياسي تحت سقف تنظيم «خروج» بشّار من الحكم وليس أقلّ من ذلك. وترسّخ في كل الأحوال، واقعة أنّ الحرب على الإرهاب لا تكتمل من دون الضرب في جذوره. وإنها هي، وليس بقايا السلطة الأسدية ولا داعميها الإقليميين، جزء من تلك الحرب، ومعركة الباب أحدث مثال.

.. تدخل الى جنيف من الباب ومعها تطور آخر خطير لا يمكن إغفال تأثيراته على النكبة عموماً. وهو المتعلق بالسياسة المعلنة والمستترة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وسعيه المزدوج والمتعارض، الى مواجهة التمددات الخارجية الإيرانية من جهة وإزالة الشوائب التي علّقها باراك أوباما على العلاقات مع تركيا من جهة ثانية.

وبعد هذا هناك أمر آخر مستجدّ وخطير أيضاً مفاده أن الإدارة الأميركية في صدد الانخراط فعلياً في البحث عن منصّة مشتركة مع الروس لكن وفق شروط مُعدّلة أبرزها تخفيف الصلة بين سوريا والعقوبات الخاصة بالقرم وأوكرانيا، والعلاقات الثنائية في الإجمال. ثم قطع خطوط التواصل مع الأطراف الكردية صاحبة العلاقات الملتبسة مع جماعة الأسد، وحاملة أجندة المواجهة مع الأتراك.

وفد بقايا السلطة الأسدية في عالم آخر. يأتي الى جنيف وفي ذهنه مثال حلب. و«التسوية» الوحيدة التي يفهمها هي أن تعلن المعارضة الاستسلام لا أكثر ولا أقل! أي أن مدوّنة الأوهام لم يطرأ عليها أي تغيير برغم كل ما حصل على مدى السنوات الست الماضية، ولن يضيره في شيء وهم آخر يُضاف عليها، عنوانه مفاوضات جنيف!