هل كان على المعارضة السورية ألا تركب الطائرة الى جنيف قبل أن ينفّذ دو ميستورا وعوده الخادعة على ما يبدو، في شأن مباشرة تنفيذ المادتين ١٢ و١٣ من القرار الأممي رقم ٢٢٥٤، اللتين تنصّان صراحة على رفع حصار التجويع عن البلدات والإفراج عن المعتقلين وخصوصاً النساء وعلى وقف الهجمات على المدنيين والقصف المدفعي والجوي لهم؟
واضح ان الضغوط الأميركية تعدّت المعارضة الى الدول التي تدعمها بهدف إرسال الوفد الى جنيف، وواضح ان هذه الدول أرادت ألا تَظهر هي والمعارضة كأنهما تعطّلان ما يزعم جون كيري انها “فرصة تاريخية للحل”!
ولكن على رغم ان دو ميستورا وعد المعارضين بألا تبدأ المحادثات قبل المباشرة الميدانية بتنفيذ القرار المذكور، لم يتردد في إلقاء قشور الموز تحت أقدامهم بالقول مساء الإثنين إن “المفاوضات بدأت رسمياً”، وهو ما أثار سخطهم الشديد لأن البراميل كانت تتساقط على معضمية الشام محمّلة بغاز الكلور في وقت عنفت الغارات الروسية وهذا ما يناقض المادة ١٣ من القرار الأممي والتعهدات المقطوعة للمعارضين!
طبعاً النظام بدوره يراوغ ويلقي قشور الموز تحت أرجل المعارضة عندما يعلن بعد تصريح دو ميستورا انه رفع الحصار عن مضايا وكفريا، بينما يواصل وفق تصريحات كيري، تجويع ١٣ بلدة وقرية وهو لم ينفذ سوى ١٣ طلباً من أصل ١١٣ قدمتها الأمم المتحدة لوقف سياسة تجويع المحاصرين.
من أين جاء دو ميستورا بالقول إن المفاوضات بدأت رسمياً، بعدما كانت الوكالات نقلت عن المعارضة ان ليست هناك من مفاوضات مع وفد النظام قبل تنفيذ المادتين المذكورتين وبتعهد أميركي، وأيضاً بعدما كان بشار الجعفري قد صرّح بأنه لن يكون هناك تفاوض وان وفد النظام ذهب الى جنيف لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري سوري ومن دون شروط مسبقة ودون تدخل خارجي، وفي هذ الكلام ما يعني صراحة رفض التعهدات الدولية لتنفيذ المادتين المذكورتين أعلاه، وأيضاً إسقاط أي مفاعيل للتدخلات الأميركية عبر موسكو في هذا الخصوص.
أمام هذه الصورة المعقدة والمتداخلة هل يمكن الحديث عن معجزات يمكن ان يحققها “جنيف ٣” وخصوصاً بعدما تبيّن ان واشنطن تماشي موسكو وطهران لجهة إسقاط كل ما قيل عن مرحلة إنتقالية تنقل السلطة من الأسد في النهاية، والإكتفاء بالحديث عن حكومة وحدة وطنية لن تحصل المعارضة فيها بالتأكيد على شيء من مطالبها!
لا مكان للمعجزات عندما يتصور الأسد ان في إمكانه بالحديد الإيراني والنار الروسية إستعادة السيطرة على ما خسره في سوريا، وعندما تصرّ المعارضة على تنحيه وهو الذي يتلقى دعماً روسياً عسكرياً متصاعداً، وايرانياً ميدانياً متسعاً، وأميركياً سياسياً مخاتلاً، واسرائيلياً معلناً منذ خمسة أعوام!