IMLebanon

طريق جنيف

وجّه جون كيري ما يشبه رسالة تحذير إلى الشعب السوري تحت لافتة «الحل السياسي»: خاطب المعارضة الموجودة في جنيف قبل ان يخاطب السلطة الأسدية في دمشق، متوقعاً، بصفته محللاً سياسياً ومرشداً اجتماعياً وليس وزير خارجية أكبر دولة في العالم، أن يتدمر ما بقي من عمران، وأن يتشرد من بقي من السوريين في أرضه، ما لم يلتزم الجميع طريق التسوية المتفق عليها مع موسكو.

وفي حين رأى كيري أن نجاح العملية السياسية يسهّل القضاء على الإرهاب الداعشي، فإن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أعاد في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره التركي مولود شاويش اوغلو في الرياض «تصويب النقاش» من خلال التأكيد أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، وان دعم المعارضة قائم وسيستمر أيّاً يكن القرار الذي تتخذه، وأنه في الخلاصة: لا فرق بين الإرهاب الداعشي والإرهاب الأسدي.

«المحلل» كيري تحدث، وكأن لا حول لبلاده ولا قوة في ما يحصل. مستبدلاً المناشدة الاعلامية، بإمكاناتها الهائلة، المغيّبة في كل حال. وتلك واحدة من أعاجيب إدارة مستر أوباما التي «زادت في الرقّة حتى انفلقت». واستمرت في اعتماد سياسة انكفائية افترضت أنها لم تكلفها شيئاً في مقابل حصولها على مردود، تراه يمتد من تشليح إيران إمكانات إنتاج «قنبلة نووية»، إلى تحويل سوريا حقلاً لاصطياد كل إرهابيي العالم، الذين «جذبهم» الأسد اليها بنجاح لا غبار عليه!

وبين تهبيط الحيطان الذي اعتمده الوزير الأميركي، وتمتين الاساسات الداعمة التي أعاد الموقف السعودي التركي التأكيد عليها، تمضي المعارضة السورية في جنيف، في طريق ما كان لها إلا أن تمشي عليه… وايجابيات ذلك الخيار، اكبر بما لا يُقاس من عكسه: إذا وصلت المفاوضات إلى خلاصة ايجابية فذلك لا يعني إلا ضرب عدوها المزدوج المتمثل ببقايا السلطة الأسدية، والإرهاب الداعشي معاً.. وإذا سقطت تلك المفاوضات تحت وطأة المناورات والألاعيب الأسدية المألوفة، فإنها (أي المعارضة) لن تخسر شيئاً إضافياً، بل ستضع أصابعها في عيون الأميركيين قبل غيرهم وتقول لهم، إن سياساتهم الفاشلة ازدادت فشلاً، وإن رهانهم على المقامر الروسي كان ضرباً من المراهقة السياسية، لا اكثر! وإن افتراضهم امكانية فعلية لـ»حل» متدرج مع الأسد فيه شيء من ثلاثية العنقاء والغول والخلّ الوفي!

برغم ذلك، فإن محاولة جنيف، يجب أن تأخذ مداها طالما أن لا بديل منها! وطالما أن أوباما موجود في «البيت الأبيض»! وطالما ان اللاعب الروسي منطلق على مداه، وبرعاية عين واشنطن من جهة وعين تل أبيب من جهة ثانية! وطالما، وهذا الأهم، أن عامل الوقت ليس في مصلحة المحور المضاد للشعب السوري بل العكس. وطالما ان الموقف المشترك السعودي التركي (القطري) صلب بما يكفي وأكثر.. وطالما أن السنوات الخمس الماضيات قدمت ما يكفي من دلالات على أن كل من حاول إعادة سوريا إلى الخلف وتحطيم ثورتها شهد بأم عينيه تحطّم محاولته وبأثمان باهظة!