تنصبّ اهتمامات الديبلوماسيين الروس نحو الجولة الثالثة من مؤتمر جنيف بشأن سوريا، المقرّر عقدها مطلع الشهر المقبل لإيجاد حلّ سياسي للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
لا شك أنّ متغيّرات كبرى ومحطات مفصلية سياسية وعسكرية قد مرّت بها الأزمة السورية منذ إعلان بيان «جنيف 1» منتصف العام 2012 برعاية أممية، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول إمكانية اعتماد ذلك البيان مرجعية للحل، لا سيما أنّ أطراف الصراع الداخلية والخارجية لا تزال حتى الآن منقسمة حول تفسير بعض بنوده.
مصادر ديبلوماسية روسية معنية بالملف السوري تؤكد أنّ الظروف الحالية المحيطة بالأزمة السورية قد تكون ملائمة لإيجاد مخارج سياسية ترضي طرفي النزاع أكثر من تلك التي عقد في ظلها «جنيف 2»، على اعتبار أنّ نقاط دائرة الالتقاء بين السلطة والمعارضة تتخذ منحى توسعياً وخصوصاً في ما يتعلّق بخطورة تنامي ظاهرة «تنظيم الدولة الإسلامية» الإرهابي بعد تمكّنه من توسيع سيطرته على مناطق كانت تحت سيطرة ما يسمّى المعارضة المعتدلة.
إضافة إلى ذلك فإنّ إقرار جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية الفاعلة باستحالة الحسم ميدانياً، يفتح آفاقاً مهمة أمام خَوض حوار جدي، وذلك بعد أن أيقنَ الجميع أنّ الكيان السوري بكافة فئاته أصبح على حافة الانهيار.
وتؤكد المصادر عدم وجود أيّ اختلافات بين موسكو وشركائها الغربيّين بشأن الخطر الناجم عن تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» الإرهابيّين، لكنّ رفض التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تنسيق العمليات العسكرية مع الحكومة السورية يؤدي إلى الحد من فعالية الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
وهذا ما أثبتته التجربة، إذ انه وعلى رغم تكثيف الضربات الجوية لطيران التحالف وتوسيع رقعة نقاط الاستهداف فإننا نلحظ تمدداً لسيطرة الإرهابيّين في مناطق مختلفة من البلاد.
وتعرب المصادر عن قلق روسيا من سَعي الإرهابيين لتوريط الفلسطينيين في النزاع السوري الداخلي، وهذا ما يتجلى بمحاولات السيطرة العسكرية على مخيم اليرموك تمهيداً لمصادرة القرار السياسي، الأمر الذي يجعل من سكّانه أداة بيد الإرهاب.
وبالتالي، فإنّ ذلك سينعكس سلباً على التواجد الفلسطيني في مناطق أخرى، وليس في سوريا فحسب بل إنه قد يمتد إلى دول الجوار في الأردن ولبنان، كما أنّ تداعيات ذلك ستؤثر حكماً على الداخل الفلسطيني.
وتعتبر المصادر أنّ المناخات السياسية الحالية دولياً وإقليمياً مناسبة لإطلاق الحوار السوري-السوري مجدداً في جنيف، لا سيما أنّ لقاءات مكثّفة ستُعقد هناك قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر.
كما وأنّ دعوة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لإيران للمشاركة في مؤتمر جنيف المرتقب هو مؤشر واضح على إمكانية التوصّل إلى اتخاذ مواقف حاسمة، على اعتبار أنّ طهران تؤدي دوراً مهماً في المنطقة، كما وأنّ توافقها مع المجموعة الدولية بشأن برنامجها النووي سيمكّنها من تأدية دور رئيس إلى جانب الرياض وبعض الدول الإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية.
وترى المصادر أنّ الأخذ بعين الاعتبار النتائج التي توصّلت إليها لقاءات موسكو التشاورية بين وفدَي الحكومة والمعارضة ستساهم أيضاً في تقريب وجهات النظر حول العديد من القضايا الخلافية، ما يجعل إمكانية الخرق السياسي في جدار الأزمة المسدود مُمكناً.
وتؤكد المصادر أنّ روسيا تولي حالياً الأولوية للقضايا الإنسانية في سوريا، وتحاول وَضع هذه القضية على رأس أولويات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، لأنّ الحل السياسي غير ممكن على وَقع أصوات القذائف وأزيز الرصاص. وتشير المصار إلى أنّ موسكو تعلّق آمالاً كبيرة على جولة جنيف الثالثة، وأنّ الديبلوماسيين الروس سوف يُسخّرون كل الإمكانيات في سبيل تحقيق تقدّم ملموس في العملية السياسية.