Site icon IMLebanon

وهم في جنيف

لا تعطي مناخات مؤتمر جنيف، رغم الكلام الكبير المحيط بترتيبها وباعتبارها ترجمة لقرار أو تفاهم أو اتفاق (سمّه ما شئت) أميركي روسي، ما يكفي من مؤشرات على الذهاب الى الأهداف المعلنة.. بل الى تحقيق شيء من تلك الأهداف، حتى لو كانت تتعلق بإطلاق معتقلين أو فكّ الحصار عن بعض المناطق أو ترتيب وقف لإطلاق النار في هذه الناحية أو تلك.. الخ.

تعقيدات المشهد تصيب الرائي بدوخة أكيدة.. وكثرة المفارقات الكامنة في كل الحراك المتصل بالنكبة السورية تكفي في أصلها وفصلها لتأجيل أي استنتاج حاسم وتعطيل أي محاولة لبناء قراءة مستقبلية خارج سردية النزاع المفتوح.. والذي سيبقى مفتوحاً الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا!

واهمٌ بالتمام والكمال، من افترض سابقاً ويفترض راهناً، ان السلطة الأسدية تضع في حسبانها أي شيء (أي شيء!) يمكن أن يوصلها الى قبول أي حل تسووي يفك قبضتها الماسكة بعصب الحياة والموت السوريين، وبما يقع بينهما من أدوات وسلطات وإمكانات وأجهزة وقرارات. لا تركيبتها الفئوية سمحت أو تسمح لها بذلك، ولا تراكمات السنوات الخمس الماضية، تمكّن غيرها، أي الأكثرية الساحقة الماحقة من السوريين، من التغاضي عنها، أو التفكير بتجاوزها، أو محاولة القفز فوقها من أجل إعادة بناء أي جسر يصل بينها وبين هذه التركيبة السلطوية التي عزّ مثيلها في هذه الدنيا!

نجحت العصبة الأسدية في عسكرة الثورة وفي شدّ الجميع الى معادلة القاتل أو المقتول. ونجحت استطراداً في إتمام حالة تماهٍ بين مصيرها الأخير ومصير بيئتها الطائفية، حتى صار الأمر (أو يكاد) موازياً للمقولة الأشمل الرابطة بين «مصير« سوريا برمّتها ومصير تلك العصبة. وفعلت ذلك بمعونة واضحة من بعض الأشكال المعارضة ومن شعارات ذلك البعض وممارساته.. ثم نجحت بعد ذلك، في «عسكرة» المناخ الإقليمي المحيط والمعني، بالنكبة السورية في مجمله! وفي المكانين، الداخلي والخارجي، انطلقت من أساس واحد يقول بأن أي معركة تخوضها، هي حرب تامة. وإن المحور الوحيد لهذه الحرب ليس سوى الوجود في ذاته! وهي (بهذا المعنى وكل معنى) حرب حياة أو موت، لا أقل من ذلك! وفي هذه الحسبة العدمية، يصحّ استخدام أي سلاح وكل سلاح. ولو سمحت لها «الظروف الموضوعية» لذهبت الى ترجمة فورية لإرادتها «الذاتية» باستخدام أسلحة إفنائية فعلية، تجعل من مجزرة الكيماوي في الغوطة الدمشقية في صيف 2013 مجرد تفصيل عابر ليس إلاّ!

في مؤتمر جنيف الراهن محاولة جدية، لكنها تُبنى على وهم! والمفارقة أن كل المشاركين (من دون استثناء!) يعرفون ذلك سلفاً! ويعرفون، في الشكل كما في الجوهر، أن الوضع السوري لم يحتمل أصلاً ولا يحتمل راهناً، أي إمكانية لتوليفة تشبه «الطائف اللبناني» مثلاً (هذا طموح لم يجرؤ حتى أصحاب المحاولة الراهنة، على تبنيه!) ومع ذلك، فإن ما يحصل لا بدّ منه! طالما أنه يضمر ويُعلن (؟) سياقاً مزدوجاً يربط «الحل» بـ»الحرب على الإرهاب»، ويقرّب الجميع في المحصلة، من تبني المعادلة المنطقية القائلة، بأن الأسد والإرهاب هما اسم مزدوج لحالة واحدة!

جنيف بهذا المعنى الأخير، هي محطة على ذلك الطريق وليست نهايته!